بصرف النظر عن نوعية الرد الحتمي لـ”حزب الله” على اغتيال اسرائيل للمناضل التاريخي سمير القنطار ابان اقامته في الداخل السوري وعلى مقربة من دمشق، وبعيدا من التكهن بموعد هذا الرد وهل هو قريب ام انه سيوضع في خانة “الحساب المؤجل الطويل”، فالثابت ان الحزب اختار منذ فترة ليست بالقصيرة تجربة مواجهة عسكرية – استخبارية جديدة في سوريا مع العقل العسكري الصهيوني عنوانها العريض تثبيت قواعد وبؤر مقاومة تراكم مع مرور الزمن تجارب المقاومة التي قادها بجدارة وبراعة وفرادة منذ مطالع عقد الثمانينات من القرن الماضي وحتى اليوم في الجنوب اللبناني، وهو مضطر لان يتحمل النتائج والتداعيات والخسائر المتوقعة.
ثمة هدفان مباشران لهذه التجربة التي ستكون شاقة جدا:
الاول: افهام العدو الاسرائيلي ان عليه الا يبادر الى المضي قدما في سياسة “الجدر الطيبة” مع الداخل السوري والتي ترمز عمليا الى الحضور في صلب معادلة هذا الداخل سلبا وايجابا مستغلا التطورات الميدانية المتدحرجة التي اضعفت قبضة النظام الامنية، وتبيح لها مد رؤوس جسور في العمق السوري الذي انوجدت فيه مجموعات وثقافات تبرر ملاقاة اليد الاسرائيلية تحت عناوين شتى في مقدمها معاداة النظام والسعي العلني الى شطبه من المعادلة.
الثاني: توسيع ميدان المواجهة مع اسرائيل على نحو يتخطى الجغرافيا اللبنانية الضيقة مما يجعل للحزب هامش مناورة وتحرك عسكري واسع يعزز اوراق القوة لديه ويكسبه خبرات جديدة.
المؤكد ان فرضية تشظي الساحة السورية واضطرار الحزب للدخول بقوة في عمق اللهب السوري هو ما فرض عليه اتباع هذه الاستراتيجية العسكرية المختلفة لكي لا يأتي حين من الدهر ويجد نفسه في موقع المحاصر بين جدر اربعة لا يستطيع خروجا او حراكا. ولكن اجواء المقربين من الحزب تتحدث عن ان لبلوغه هذه القناعة وركوبه هذا المركب الخشن جذورا عميقة في العقل السوري الحاكم تعود تحديدا الى غداة حرب تموز عام 2006. فنتائج تجربة المواجهة الشرسة التي خاضها الحزب مدى نحو شهر عامذاك فتحت اعين القيادة السورية على زوايا وتجارب جديدة، فقررت في ضوء ذلك اعادة هيكلة الوية وفرق عسكرية سورية لتصير على غرار وحدات المقاومة، اي تكون في منزلة بين منزلتين، فلا هي جيش نظامي كلاسيكي ولا هي مجموعات مقاومة على غرار مجموعات حرب “الاغوار”، بل هي دون الجيش وفوق تجارب المقاومة المعروفة.
وثمة في دوائر الحزب من يقول إن العميد ماهر الاسد هو من تولى هذه المهمة بتوجيه من شقيقه الرئيس بشار الاسد الذي تماهى الى اقصى الحدود مع فكرة المقاومة ودورها. وقد سار الاسد الشقيق خطوات في هذه التجربة التي ما توقفت الا بعد اشتعال شرارة الاحداث في سوريا قبل نحو ستة اعوام مما استدعى تجميدا موقتا لهذا المشروع الضخم.
ولا ريب في ان الاعتبار اعيد مجددا الى هذا المشروع وان باشكال وصور اخرى عقب كشف اسرائيل نيتها ولوج الميدان السوري المضطرب فاعلا ومؤثرا وشريكا وذلك بناء على الاتي :
– غارات متكررة استهدفت مراكز وقواعد للجيش السوري وتحديدا في محيط دمشق تحت ذرائع شتى.
– فتح قنوات اتصال مع مجموعات سورية معارضة والسماح لها بادخال جرحاها الى المستشفيات الاسرائيلية.
– التسهيل لمجموعات عسكرية معارضة بسط سيطرتها على بلدات ومساحات في محافظة الجولان متاخمة مباشرة للحدود الاسرائيلية.
– شروع اسرائيل في حديث متكرر عن خشية تتملكها من وصول اسلحة استراتيجية كاسرة للتوازن من الترسانة السورية الى ايدي مقاتلي “حزب الله “واتخاذ ذلك ذريعة لتوجيه ضربات.
وهكذا وجد الحزب والنظام في سوريا ومعهما بطبيعة الحال طهران في صدد البحث الجدي والملح عن سبل لتكريس استراتيجية عسكرية جديدة في مناطق سورية حدودية بعينها تفهم اسرائيل من خلالها ان مد يدها الى الملعب السوري والعبث بمعادلاته وتأجيج تناقضاته امر لن يمر من دون عقاب، فكانت استهلالا عمليات قنص وقصف وتفجير عبوات وعمليات استطلاع واتصال برموز ومجموعات في الجولان المحتل واعادة تجميع لكوادر وقيادات لها خبرة في مجال مقارعة الالة العسكرية الاسرائيلية، وكان في مقدمها الاسير المحرر سمير القنطار الذي نقل مجال نشاطه الى الداخل السوري مبتدئا عصر مواجهة جديدا استفز اسرائيل وجعلها تقرر الرد.
وتجلت بواكير الردود واكثرها ايلاما باستهداف اسرائيل للمجموعة اللبنانية _ الايرانية التي كانت تستطلع الارض في مزارع قريبة من الحدود السورية مع الجولان المحتل ومن بين افرادها جهاد عماد مغنية. وبعد اقل من اسبوع رد الحزب بهجوم استهدف دورية اسرائيلية في مزارع شبعا ادى الى سقوط عدد مماثل من شهداء الحزب. وعلى الاثر اطل السيد حسن نصرالله بخطاب اعلن فيه ان هذه دفعة اولى على الحساب المفتوح لا سيما ان اسرائيل امتنعت عن الرد.
الا ان الضربة الاخيرة التي اسقطت القنطار شهيدا بعد نحو 7 سنوات على تحرره من الاسر الاسرائيلي اظهرت للحزب ان تل ابيب ليست في وارد الرضوخ لمعادلة: مقاومة تتنامى وتترسخ على حدودها مع سوريا وانها ما برحت مستعدة للمواجهة.
وبالطبع لدى الحزب قراءة لجوانب اخرى من مشهد الاعتداء، فهو يعي اولا ان الضربة اتت متزامنة مع جملة اجراءات وضربات غربية – عربية اتخذت بحقه اخيرا وتندرج في خانة إحكام الحصارات الاعلامية والمالية والقانونية على الحزب، وهي في مجملها حصارات مؤذية غير مسبوقة إن في تفاصيلها او في مؤداها البعيد.
وعليه فان الحزب يدرك ان المطلوب امر اساسي وهو الا يكون شريكا في اي مكسب يحققه النظام في سوريا لكي لا يترجم ذلك في الساحة اللبنانية.
وبمعنى آخر، المطلوب ان يكون الحزب شريكا في الغرم وليس في الغنم، خصوصا ان كل المؤشرات تدل على ان مسألة تعويم النظام في سوريا صارت امرا واقعا.
باختصار، الحزب محكوم بالرد لاعتبارين اساسيين: الاول ان يبلّغ من يعنيهم الامر انه ليس في وارد الرضوخ، والثاني انه يستكمل ما بدأه في الساحة السورية.