في الوقت الذي كانت الأنظار تتجه الى المكوّن المسيحي في لبنان، لكي يلعب دوراً رائداً في الداخل وعلى مساحة الشرق، في خضم الجنون الإرهابي التكفيري الذي يضرب المنطقة وبدأ يتمدد الى كل أنحاء العالم، تبيّن أن هذا الرهان لم يكن في محله.
ويبدو، بحسب بعض القيادات المسيحية المعترضة على التفاهم بين «التيار الوطني الحر» و «القوات اللبنانية»، أن الذين يمسكون بقرار التمثيل المسيحي راهنا، غير مدركين لحجم المخاطر التي تتهدد الكيانات التي تتمتع بالتعدد والتنوع، وأهمية أن يمسك من يوصفون بـ «الأقليات» بـ «ناصية إدارة عملية حوار مستمر ينبع من دورهم الحضاري الذي يتجاوز الأعداد الى الأفكار التي تستنسخ تجارب كانت نتائجها الويلات والانقسامات والتشتت».
النقاشات الدائرة بين هذه القيادات المعترضة تبدي انزعاجها ورفضها «لانحدار الخطاب السياسي الى مستوى طائفي ومذهبي مقيت، بينما كان العقل والمنطق يفرضان دوراً يتجاوز الخطاب الطائفي».
وتستغرب تلك القيادات الأجواء التي تسود في جلسات مجلس الوزراء معتبرة أنها «خطيرة جدا»، لجهة مستوى الخطاب وكراهية مضمونه الطائفي الذي يهدد تسرّبه الى الشارع بإشعال حرب لا تنتهي.
تسجّل تلك القيادات أسفها لاختراع «صحوة مسيحية»، معتبرة أنها «صحوة ليست في مكانها ولا في زمانها، خاصة في ظل غياب رئيس للجمهورية، لان الطريقة المعتمدة في إثارة المواضيع تضع المكوّن المسيحي في موقع الضعيف».
لماذا استفاق المسيحيون اليوم على المواقع والوظائف المسيحية في مؤسسات الدولة وإداراتها؟
وتعتقد القيادات نفسها أن تلك «الصحوة المسيحية» المفتعلة ليست في محلها، وهي تأتي في توقيت خاطئ ولها علاقة بالانتخابات البلدية، وهي أيضا ترجمة للاتفاق العوني ـ القواتي الذي سُمّي «إعلان النيات»، معتبرة أن رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع «هو الرابح الوحيد من هذا الاتفاق، بينما كل ما ربحه العماد ميشال عون هو وعد بالرئاسة لا يُصرف في أي تسوية مقبلة».
وتكشف تلك القيادات أن سمير جعجع، قبل إعلان النيات مع «التيار الوطني الحر»، زار الصرح البطريركي في بكركي، والتقى البطريرك الماروني بشارة الراعي وأبلغه أنه يتجه الى المصالحة مع عون وأنه سيدعم ترشيحه، فشجعه البطريرك الراعي على المصالحة وقال له: «أنجز المصالحة وهي محل تأييد ومباركة من قبلنا. وما دام ترشيح النائب سليمان فرنجية يحظى بالتأييد، فلا تخرّب الأمر واكتف بالمصالحة». فرد جعجع بأن وصف الامر بالصعب، طالباً مهلة 48 ساعة لبحث الأمر مع عون، قبل أن يعود لاحقاً ويبلغ الراعي أن عون «رفض فصل المصالحة عن دعمه للرئاسة».
تتحدث القيادات عن حراك مشابه أجراه عون باتجاه «حزب الله»، عبر الوزير جبران باسيل الذي طلب من الحزب الضغط على فرنجية للانسحاب. وسمع الجواب الواضح وخلاصته: «لم نضغط على عون للانسحاب لمصلحة فرنجية الذي لديه عدد نواب مؤيد أكبر. لو حصل ذلك لكان لديك مبرر للقول اضغطوا على فرنجية. وبالتالي لو قلنا لفرنجية ان ينسحب هل يعني ذلك أن عون سيصبح رئيسا للجمهورية؟»، وذلك على ذمة تلك القيادات.
تشدد هذه القيادات على أن «الصحوة المسيحية يفترض أن تكون في اتجاه آخر يقوم على صياغة وصناعة الدور المسيحي حاضرا ومستقبلا في لبنان والمنطقة، وفي مقدمة ذلك الإقلاع عن ربط مصير المسيحيين بشخص».