Site icon IMLebanon

ماذا يريد الحريري من «قيصر» الأزمة السورية؟

 

لا يوجد الكثير لدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليقدمه للرئيس سعد الحريري على مستوى مساعدته في لبنان، وفي المقابل فإنّ قدرة الحريري على تلبية اهتمام موسكو ببيع سلاح روسي للبنان تحدها معارضة واشنطن الصارمة لهذا الامر. وعلى رغم ذلك هناك مساحة تحتاجها روسيا لإبقاء قناة اتصالها مفتوحة على لبنان عبر الحريري، كما انّ الاخير يحتاج الى القيصر الروسي في مجالات جعل علاقاته مع الخليج أكثر حيوية، لأنّ صلة الحريري «الحميمية» ببوتين تجعله موجوداً داخل نطاق معادلة التفاعل الإيجابي القائم حالياً في شأن قضايا المنطقة الساخنة بين موسكو ودوّل الخليج.

هناك شخصيتان سياسيتان لبنانيتان من الطائفة السنية يوجد في شأنهما توصية من الكرملين الى الهيئات الروسية الرسمية، لتوجيه دعوات دائمة لهما الى حضور مناسبات رسمية او اسلامية في روسيا:

وداخل إضبارة علاقات موسكو بلبنان التي يعود تاريخها الى ايام علاقات الاتحاد السوفياتي ببلد الارز، توجد مكانة لوليد جنبلاط الحليف القديم الذي لا يدير الكرملين ظهره له وفاء لإرث علاقته بكرملين الاتحاد السوفياتي.

وعادة ما يخلق التشدد البيروقراطي الذي تمارسه موسكو في مجال منهجيتها المتّبعة في توجبه الدعوات الى أصدقائها عبر العالم، والتي لم تتغير منذ زمن الاتحاد السوفياتي، إشكالات لها مع شخصيات ترغب بزيارة روسيا، او ترغب موسكو بالانفتاح عليها. حصل هذا قبل أعوام مع الرئيس نبيه بري الذي اشترط تلبية دعوته لزيارة روسيا، بأن يحظى بضيافة تشتمل على برنامج رئاسي كامل. وحصل حالياً مع وزير الخارجية جبران باسيل الذي اشترط لزيارته موسكو توجيه دعوة رئاسية له وليس من وزارة الخارجية الروسية.

والواقع أنّ مصدر اهتمام موسكوـ بوتين بالحريري يعود لأسباب متعددة. اولاً، نظرة روسيا إليه على أنه يمثّل شخصية اسلامية مشرقية معتدلة ومكافحة للأصوليات الاسلامية. وثانياً، كون موسكو تعتبر صلتها به إمتداداً لصلتها الاقليمية بالمملكة العربية السعودية؛ وهذه صلة تمرّ حالياً في مرحلة تعاون إقليمي متصاعد. ففي اليمن يوجد تقارب روسي مع موقف الرياض، امّا في سوريا حيث كان بينهما شقاق في المرحلة السابقة، فإنه يسود تفاهم بينهما في الوقت الحاضر مفاده انّ السعودية تراجع سياسة دعمها للمعارضة السورية، في مقابل انّ موسكو تأخذ على عاتقها ضبط النفوذ الايراني في سوريا. وخلال آخر لقاءات بين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز ومن ثم نجله ولي العهد مع بوتين، توصّل الطرفان الروسي والسعودي الى «تفاهم ثمين» لموسكو في شأن عدم تخفيض السعر العالمي للنفط. وأهمية هذا التفاهم بالنسبة الىى موسكو تكمن في أنه على صلة وثيقة بتعزيز استقرار اقتصادها.

وخلال الفترة القريبة الماضية، وجد الحريري نوعاً من العناية الروسية بطلبات تقدّم بها لموسكو، وتمثّل إحداها بموافقة روسيا على المشاركة في الاستثمار بالغاز اللبناني وذلك على رغم انّ موسكو لم تكن، من حيث المبدأ، مهتمّة بقطاع الغاز في لبنان، نظراً الى قلة كميته وخلوها من الإغراء التجاري، خصوصاً بالمقارنة مع كميات الغاز الكبيرة في الساحل السوري التي تحتكر روسيا استثمارها.

وضمن هذا السياق، تكشف معلومات مُستقاة من شركات النفط العالمية انّ هناك سببين اثنين دفعا الروس الى المشاركة عبر شركة «نوفاتيك» في التنقيب عن الغاز واستخراجه في لبنان: الاول، يتمثّل بتمنّي الحريري بإلحاح على رئيس الحكومة الروسية ديمتري مدفيديف لكي تشارك روسيا في هذا التنقيب. والثاني، وجود شراكة أصلاً بين شركة «نوفاتيك» وشركة «توتال» الفرنسية في منطقة القطب الشمالي، ما يجعل روسيا معنية بتكريس بعد جديد للشراكة مع «توتال» عبر مشاركة «نوفاتيك» معها بالتنقيب في لبنان.

امّا الملف الثاني الذي أبدَت فيه روسيا حرصاً على إبقاء قنوات صلتها مفتوحة مع الحريري وتعزيزها، فظهر عند عدم إبدائها رد فعل قوي على اضطرار الحريري الى التراجع عن وعود قطعها لموسكو خلال احدى زياراته السابقة لها في شأن موافقته على التسليح الروسي للجيش اللبناني. وبات واضحاً لموسكو في هذا المجال انّ الحريري تخلّى عن هذا الوعد بعدما تبلّغ لبنان رسالة حادّة من «البنتاغون» الاميركي، اعتبر فيها أنّ شراء الجيش اللبناني سلاحاً روسياً يشكّل خطاً أحمر يتوجّب على بيروت عدم ملامسته.

وبحسب معلومات لـ«الجمهورية» فإنّ واشنطن عبّرت يومها للدولة اللبنانية عن قلقها من وجود مؤشرات الى تطوير التعاون العسكري بين لبنان وروسيا، خصوصاً أنّ هذه المؤشرات تحصل في وقت تسوء علاقات واشنطن بموسكو نتيجة احتلال روسيا شبه جزيرة القرم وتدخُّلها في اوكرانيا وسوريا، وفرض واشنطن عقوبات على موسكو من خلال قوانين عقوبات اقتصادية. ونَبّهت اميركا لبنان من انّ بعض هذه العقوبات يطاول شركات صناعة الأسلحة الروسية، وسيكون هناك إمكانية كبيرة لشمول هذه العقوبات الجيش اللبناني في حال أقدم على شراء أسلحة من هذه الشركات.

ولكن يبقى هناك مساحة واحدة في مجال ملف شراء السلاح الروسي للجيش اللبناني، لا يزال يمكن للحريري استثمارها لردّ الجميل لبوتين فيها من دون ان يُغضب واشنطن. وتقع هذه المساحة في أنّ واشنطن إزاء تشددها لمنع اي تعاون عسكري بين روسيا ولبنان، أوضحت أنها تتفهّم ان تكون هناك حاجة لدى الجيش اللبناني لاستيراد القطع العسكرية الروسية لصَون المعدات العسكرية الروسية الصنع التي يمتلكها، غير انّ حدود التعاون العسكري لا يجب أن تتعدى هذا الامر، وأنّ اي عمليات شراء سلاح روسي جديد ومتطور، سيكون له تأثير سلبي في الكونغرس على المساعدات الاميركية الممنوحة للجيش اللبناني.

وأبعد من مجال تَوقّع حصول تفاهم بين الحريري وبوتين على صفقة تسليح للجيش تنحصر في إطار تزويد معداته العسكرية الشرقية الصنع بقطع غيار لها، لا يوجد ما يدعو الى الرهان على أيّ مساهمة لهذه الزيارة في مجال مساعدة لبنان على تخطي أزماته. فروسيا لا تزال تعتبر أنّ اولوية جهودها السياسية في المشرق العربي متفرّغة كلياً لمساعيها المحورية على الساحة السورية. وبالتالي، فإنّ لبنان يقع في نقطة بعيدة عن مجال اهتمامها. وحتى في شأن الرهان على دور روسي في مجال ضبط منسوب التهديدات الاسرائيلية للبنان، فإنّ موسكو تنظر الى هذا الملف من زاوية أنه تفصيل ضمن دورها الذي تقوم به حالياً «كناقل رسائل غير مباشر» بين طهران وتل ابيب لتخفيف الاحتقان العسكري الناشب بينهما في سوريا.

ويبقى أنّ أهمّ ما في لقاء الكرملين أمس بين بوتين والحريري هو انه يثبت علاقة للحريري مع «قيصر» الأزمة السورية، ما يفيده في إبقاء حيوية إقليمية له داخل مجريات سياق البحث العربي الخليجي مع موسكو في شأن انعكاسات أزمات المنطقة على الملفات الاقليمية الساخنة التي من ضمنها لبنان. والأمر الآخر الذي يهمّ الحريري من زيارته موسكو هو أنها ستشكّل، في المكان، نقطة انطلاق لعودته منها مع ولي العهد السعودي الى جدة، ليتمّ كما هو مفترض البحث في سبل مقاربة الساحة اللبنانية في مرحلة ما بعد تكليف الحريري تأليف الحكومة العتيدة، حيث تتجمّع المعلومات عن ان يكون القرار السعودي تسهيل ولادة هذه الحكومة، إلّا اذا طرأت إقليمياً انعكاسات لأزمات محتدمة في هذه اللحظة؛ كانقلاب مقتدى الصدر على حيدر العبادي القريب من الرياض والتحالف مع «الحشد الشعبي» القريب من ايران، اضافة الى تطورات معركة الحُدَيدَة في اليمن التي قد تخبّىء مفاجآت «تفجيريّة» لا «تسهيلية» على الساحة اللبنانية.