كلما اقتربت عاصفة الحزم في اليمن من ساعة الحسم، كلما تصاعدت الحملات السياسية والإعلامية ضد السعودية.
وكلما تقدمت بوادر المرحلة الانتقالية في سوريا، كلما اشتدت حملات التطاول والتشكيك على المملكة ورموزها القيادية، وفي مقدمتهم الملك سلمان بن عبد العزيز.
قد تكون حملات التضليل السياسي والإرهاب الفكري، في صلب الحرب النفسية، التي تبقى إلى جانب الحرب الإعلامية، بمثابة الوجه الآخر لمعارك الميادين العسكرية، والتي يبدو أن خصوم العرب، يجيدونها هذه الأيام أكثر من العرب أنفسهم!
وإذا كانت الخلافات التي باعدت بين صفوف العرب، وفرّقت شملهم، قد شجعت خصومهم، وخاصة إيران، على تحقيق اختراقات في أكثر من بلد عربي، وأتاحت الفرص أمامهم للضرب على الأوتار الطائفية والمذهبية والإتنية، وبالتالي خوض الحرب النفسية، والمعارك السياسية والإعلامية من بعض العواصم العربية، في ظل غياب خطة عربية متماسكة لمواجهة هذه المخططات الجهنمية، فإن تحويل بيروت، عاصمة الإعلام العربي، على مدى نصف قرن ونيّف، إلى قاعدة لشن الهجمات السياسية والإعلامية ضد المملكة، مسألة بالغة الخطورة، وتنطوي على عوامل متفجرة كثيرة، من شأنها أن تصل بالأمور إلى ما لا يُحمد عقباه، على الصعيدين العربي والإسلامي.
إن استنفار إيران لطاقات حلفائها المحليين، وخاصة «حزب الله»، للتهجّم على المملكة، وإطلاق الشعارات الكريهة ضد قياداتها، يُؤكّد التجاهل المتعمّد، وعن سابق إصرار وتصميم، لمواقف ومشاعر الأكثرية الساحقة من اللبنانيين، المقدرين لمواقف السعودية التاريخية الدائمة إلى جانب لبنان، ومسارعتها دوماً إلى بلسمة الجراح، ولمّ شمل أبناء الوطن الواحد، من دون أي تمييز طائفي أو مذهبي أو مناطقي، فضلاً عن مساعداتها المالية المشهودة لدعم الليرة، وكان آخرها في حرب تموز 2006، ومبادراتها السخية لدعم الدولة وأجهزتها الشرعية، وكان آخرها مبادرة المليارات الثلاثة التي قدمها الملك عبدالله بن عبدالعزيز، طيّب الله ثراه، وما تبعها من مليار دولار بعد معركة عرسال في آب 2014، لتزويد الجيش والقوى الأمنية، على عجل، بما تحتاجه من أسلحة ومعدات لمواجهة الخطر الإرهابي المتربص بالحدود الشرقية.
* * *
المفارقة الغريبة التي يجب التوقف عندها ملياً، والتأمل بتفاصيلها، تكمن في هذا التناقض المفزع بين المتهجمين على المملكة وقياداتها، وأولئك المؤيدين لدور السعودية العربي والإسلامي، ودفاعها الدائم عن مصالح الأمة.
المتهجمون ينطلقون من اعتبارات وخلفيات لا علاقة لها بالمصالح الوطنية اللبنانية، ولا تراعي مبادئ وقواعد التضامن العربي، بل على العكس تماماً، إذ تصب حملاتهم في خنادق العداء للأمة العربية، وتخدم بأجندات ومصالح إيرانية، على حساب أمن واستقرار النظام العربي برمته!
من التورّط في الحرب السورية، إلى الانقلاب على الشرعية في اليمن، إلى مخططات الهيمنة على العراق، ولا ننسى التحريض المذهبي المستمر في البحرين، كلها عناوين لحملات ممنهجة، لا تستهدف السعودية وحدها، بقدر ما ترمي إلى إسقاط عروبة المنطقة، وإخضاعها لهيمنة أعجمية فاقعة!
في حين يحرص المؤيدون لنهج السعودية ودورها القومي والإسلامي، على مراعاة روابط الأخوّة، وحماية المصالح التي تخدم الشعبين الشقيقين، وتقدير الترحيب السعودي، الرسمي والشعبي، بأكثر من ربع مليون لبناني يعيشون ويعملون في المملكة، إلى جانب تأكيد الوفاء للسعودية التي وقفت إلى جانب الشقيق الصغير في الحروب والملمات، وساهمت في إنهاء الحرب السوداء عبر اتفاق الطائف، ولم تبخل بمدّ يد الدعم والمساندة والمساعدة لإعادة إعمار ما دمرته الحرب!
وباختصار، فإن الأكثرية الساحقة من اللبنانيين، المقدرة لمواقف المملكة والحريصة على علاقات الأخوة والتعاون، تنطلق من أجندة لبنانية وطنية بحتة، ولا تتعارض مع متطلبات الحفاظ على العمل العربي المشترك!
* * *
المشكلة أن حملات الافتراء والتضليل ضد السعودية، والتطاول على كرامات قياداتها مستمرة فصولاً، من دون رادع أو ضمير، ومن دون أي اعتبار للحد الأدنى من مصالح البلد، واللبنانيين المقيمين في المملكة.
والكمين الخبيث الذي نُصب للأمير عبد المحسن بن وليد في رواية أكبر عملية تهريب لحبوب الكبتاغون، يكشف المدى الذي وصل إليه المغامرون بمصير البلد وأمنه واستقراره، سعياً وراء منافع شخصية وفئوية وخدمة لأجندات خارجية.
ولعلنا لا نذيع سراً، إذا قلنا أن المعلومات والمستندات المتوفرة لدى مراجع معينة، تؤكد وقائع الكمين الخبيث الذي وقع فيه الأمير على بساطته، والدور الذي قام به بعض المحيطين به بالتواطؤ مع أصحاب الكمين للإيقاع بالرجل في «فضيحة»، الهدف منها الإساءة للعائلة المالكة.. كذا!!
وتبين من متابعة بعض الوقائع أن المخططين والمنفذين استغلوا بسذاجة متعمدة، بعض الملصقات والأوراق السعودية الرسمية، لإحداث الضجة المطلوبة عند وضع اليد على العملية المشبوهة!
وتقود إحدى الوقائع إلى تساؤل مُبرّر ومشروع:
هل توصل التحقيق إلى كشف مصدر هذه الكمية الضخمة من الكبتاغون؟
وهل المصنع، يتمتع بحماية سياسية معينة، تحول دون الوصول إليه، وكشف هوية المشغلين؟
ومَن كان همزة الوصل مع المتورطين من المحيطين بالأمير؟
* * *
وبانتظار الكشف عن الأجوبة والحقائق لتلك التساؤلات، لا بدّ من التأكيد للمرة الألف، أن لبنان الرسمي والشعبي، وبأكثرية ساحقة، سيبقى في موقع الوفاء للمملكة وقيادتها، وسيحافظ على روابط الأخوة والمصالح المشتركة مع الشعب السعودي الشقيق.
وبيروت لن ترضخ وتتنكر لعروبتها، وستبقى، كما كانت دائماً، عاصمة الإعلام العربي، ومنبراً مدوياً في الدفاع عن قضايا العرب.