كلّ من تابع مسيرة النائب سليمان فرنجية يدرك انّ الرجل لا يواجه توجهات الخط الذي ينتمي إليه، وفي حال تباين في موضوع معيّن مع هذا الخط فهو يميِّز بين موقفه المعترض شكلاً، والمؤيد مضموناً لهذا الموضوع. وبالتالي، هل كان يمكن ان يستمر فرنجية في ترشيحه لو كان «حزب الله» قاطعاً في دعم العماد ميشال عون؟
إعلان فرنجية في مقابلته مع الزميل مارسيل غانم الاستمرار في ترشيحه يستدعي من القوى المسيحية المعترضة على هذا الترشيح عدم التعويل كثيراً على موقف «حزب الله»، لأنه لو كان موقف الحزب من طبيعة استراتيجية تتصل بأولويات المقاومة وطبيعة المرحلة والموقف من السعودية وعودة الرئيس سعد الحريري، لَما كان فرنجية نفسه تمسّك بترشيحه، بل كان ذهب إلى حد المزايدة على موقف الحزب، وتَمنين جمهور محور المقاومة بأنه غلّب اعتبار الخط على الاعتبار الشخصي.
ولكنّ استمرار فرنجية في ترشيحه يعني انّ اعتراض الحزب أو تحفظه هو من طبيعة تكتية، وانّ الوقت كفيل بمعالجة هذا الاعتراض، وانه قد يكون منسّقاً مع سليمان لانتزاع المزيد من التنازلات، أو ربما يكون مجرد اعتراض تضليلي لتعويد القوى المعترضة على الفكرة وجعلها تسترخي لتمرير انتخابه في الوقت المناسب، خصوصاً بعد كشف فرنجية أنّ كل خطواته كانت منسّقة مع السيد حسن نصرالله، ما يؤكد انه خيار من خيارات الحزب الأساسية.
وإذا كان ثمة من يقول انّ ما يقوم به رئيس «المردة» لا يتعدى الطموح الشخصي وإبقاء فرصته حيّة وقائمة، إلّا انّ هذا السلوك قد يؤدي إلى حرق هذه الفرصة في حال لم تكن مبنية على معطيات صلبة. وبالتالي، لا مصلحة له إطلاقاً في تعويمها في حال كانت عابرة لا جدية، لأنّ الوقت سيتكفّل بكشف هشاشتها، خصوصاً إذا تمسّك الحزب بترشيح عون قاطعاً الطريق على أيّ ترشيح آخر.
وحصول فرنجية على دعم «المستقبل» لا يعني شيئاً في حال لم يحصل على تأييد «حزب الله»، وهو يدرك ذلك تماماً، إلّا إذا كان يعتقد انّ دعم الحزب له مضمون، فيما تأييده من قبل «المستقبل» يرجّح حظوظ انتخابه على عون.
فما هو غير مفهوم في كل هذه العملية يتمثّل بتمسك فرنجية بترشيحه، لأنه لا يمكن تفسيره خارج سياق تشجيع «حزب الله» الضمني لهذا الترشيح، نظراً لحاجة الحزب إلى مزيد من الوقت لإقناع عون أو انتظار تطورات محددة، أو إتمام صفقة السلة بالشكل الذي يناسب أهدافه، ويمكِّنه من إحكام قبضته على المؤسسات الدستورية.
وما هو غير مفهوم أيضاً يتمثّل في التساؤلات الآتية: هل كان الحزب مضطراً إلى المغالاة في تظهير التزامه بعون ووضعه للحظة في خانة «الوعد المقدس» إذا كان سيتراجع لاحقاً؟
ولماذا لم يتلقّف فرصة فرنجية منذ اللحظة الأولى عبر مفاتحة عون بأنّ فرصته أعطيت أكثر من حقها، وانّ هناك استحالة لوصوله بسبب الفيتو السعودي، وحضّه على دعم هذا الخيار انتصاراً لخط المقاومة؟ وهل الحزب يريد الاحتفاظ بورقة فرنجية لإبقاء الخيار بينه وبين عون للحؤول دون العودة إلى المعادلة السابقة التي توصِل المرشحين التوافقيين؟
وإذا كان تمسّك الحريري بدعم خيار فرنجية يعتبر بديهياً، لأنه يشكل فرصته الوحيدة لاستعادة دوره اليوم من بوابة رئاسة الحكومة، ولأنّ تراجعه ينعكس سلباً على وضعه داخل بيئته، فإنّ السؤال الأساسي يتمحور حول موقف الثلاثي الحزبي المسيحي في حال تأييد الحزب لخيار فرنجية؟
فبعد إعلان فرنجية استمرار ترشيحه يفترض بالأحزاب الثلاثة ان تنتقل إلى الخطة التالية، إلّا في حال تسليمها بخيار رئيس «المردة»، وعدم استعدادها لفرط تحالفاتها من منطلق أن لا «القوات» و«الكتائب» على استعداد لقطع العلاقة مع «المستقبل» في ظل غياب التحالفات البديلة وطنياً، ولا «التيار الحر» بهذا الوارد أيضاً مع «حزب الله» للاعتبارات نفسها، فضلاً عن أنّ تنظيم الخلاف في مسائل من هذا النوع يشجِّع أصحاب «المبادرات الوطنية الشجاعة» بترشيح أخصامهم من دون مسوِّغات مقنعة بالمضي قدماً في خياراتهم، فيما كان يفترض التلويح بالطلاق لردعهم.
وأما إذا كانت هذه الأحزاب غير مستعدة التسليم بخيار فرنجية رئيساً، فلم يعد بإمكانها إبقاء أيديها في الماء الباردة اتكاءً على موقف «حزب الله»، لأنّ تمسّك فرنجية بترشيحه يؤشر إلى «قبّة باط» من الحزب تتوقف ترجمتها على توقيته المناسب.
وبالتالي، إذا لم تعمد إلى وضع خطة عملية تبدأ من مشهدية مسيحية في رسالة انّ انتخابه يشكل تحدياً للإرادة المسيحية التي تمثّل السواد الأعظم من المسيحيين، ولا تنتهي بفتح الباب أمام معارضة وطنية تعدِّد الأسباب الموجبة لموقفها حمايةً للبنان، فإن لم تعمد إلى هذه الخطوات فهذا يعني انّ طريق بعبدا باتت سالكة أمام فرنجية.