IMLebanon

ماذا يعني قرار الأمم المتحدة إلزامَ إسرائيل التعويض للبنان؟

بعد جهود بعثة لبنان في نيويورك على مدى ثلاثة أعوام، تبَنّت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً بإلزام إسرائيل دفعَ مبلغ 856,4 مليون دولار للبنان كتعويض على البقعة النفطية التي تسَبَّب بها ضربُ خزانات محطة كهربائية وانتشار الزيت والنفط على امتداد الشاطئ اللبناني خلال حرب تمّوز 2006. يُعتبَر هذا الإجراء استثنائياً، إذ إنّها المرّة الأولى التي تُصدِر فيها الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً مشابهاً في منطقة الشرق الأوسط، ما يُعتبَر إنجازاً سياسياً وانتصاراً ديبلوماسياً للبنان، لكنّ هذا القرار يبقى غير كافٍ لأنّه غير ملزم لإسرائيل، كونه لم يصدر بَعد عن مجلس الأمن.

يقول المندوب الدائم للبنان لدى الأمم المتحدة السفير نواف سلام لـ«الجمهورية» إنّ «لدينا خيارات عدّة يُمكن اللجوء إليها في الخطوة المقبلة بعد صدور القرار عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، لكن لم نستقرّ بعد على خيار محدّد، لذلك ليس من مصلحة لبنان التصريح اليوم عن ماهية الخطوة أو الإجراءات المتوجّب اتّخاذها، ونُحبّذ التحفّظ وعدم الإفصاح قبل التأكّد من الخطوة التالية للتعليق عليه رسمياً».

إلى ذلك، يُعتبَر صدور القرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة ذات قيمة معنويّة، يُقوّي عزيمة اللبنانيين لمواصلة جهودهم، علّهم يُحَصّلون حقّهم من إسرائيل. وفي هذا السياق، يرى عضو كتلة «المستقبل» النائب أحمد فتفت أنّ «القرار مهمّ ويُعتبَر مؤشّراً لتوجّه جديد في السياسة وفي المواقف الدولية، إذ إنّها المرّة الأولى التي تُدان فيها إسرائيل».

ويقول لـ«الجمهورية» إنّ «هذه الخطوة خير دليل على أنّ المواقف الدولية تحترم القوانين وتفرِض عقوبات على من يخالفها، حتى لو كانت إسرائيل، التي تدافع عنها الولايات المتحدة باتّخاذها حقّ «الفيتو» لحمايتها».

ويؤكّد أنّه «من الصعب صدور قرار يُلزم إسرائيل التعويض، بسبب وجود اعتراضات و«فيتو»، فالقرار المتّخَذ له قيمة معنويّة ويُعطي للجمعية العامة أهمّية كبيرة»، مشدّداً على أنّه «في حال لم ينَل لبنان إجماعاً لصدور قرار مماثل عن مجلس الامن، فإنّ المعركة السياسية ستستمرّ للوصول إلى ظروف سياسية مؤاتية، ولن نتوقّف عن الإجراءات المتوجَّب اتّخاذها، إذ هناك عزمٌ على مواصلة الجهود لترجمة القرار فعلياً».

من جهته، يقول عضو كتلة «التنمية والتحرير» النائب ياسين جابر لـ»الجمهورية»، إنّ «القرار مؤشّر إيجابي للبنان، ويقرّ بحقّه لدى إسرائيل، فدوَل العالم نفِدَ صبرها وأصبحت على يقين بدور إسرائيل الإجرامي، ولهذا نشاهد دوَلَ الاتحاد الأوروبّي تُقرّ الواحدة تلوَ الأخرى بإنشاء دولة فلسطينية».

ويوضح أنّ «الصعوبة ليست في الجمعية العامة وإنّما في مجلس الأمن، حيث تمارس الدول المؤيدة لإسرائيل، حقّ «الفيتو»، فالقرار الصادر عن الجمعية العامة لا قدرة تنفيذية له، وأهمّيتة معنوية فقط، خصوصاً في ظلّ وجود «فيتو» أميركي»، مشيراً إلى أنّ «القرار خطوةٌ ممتازة ولكنّ تحصيل الأموال موضوع ثانٍ وليس بالأمر السهل».

مساندة أوروبّية

على رغم وجود إرادة لدى الغالبية الساحقة في المجتمع الدولي بتحميل إسرائيل مسؤولية أفعالها غير المشروعة، إلّا أنّ القرار الذي تبَنّته 170 دولة من أصل 179 سيصطدم برفض إسرائيل، الولايات المتحدة، كندا، أوستراليا، وغيرها من الدوَل المعارضة، ما قد يُشكّل عائقاً يواجهه لبنان في مجلس الأمن.

في هذا السياق، يؤكّد رئيس منظمة «جوستيسيا» المحامي بول مرقص لـ«الجمهورية» أنّ «القرار يُثبت أمرَين على مستوى القانون الدولي كانا مستبعدَين على المستويين اللبناني والعربي: الأوّل أنّ لبنان في وسعِه الاستحصال على إقرار بحقوقه، ولو من إسرائيل، بالعمل الجاد والمتراكم والهادف، والأمر الثاني يكمن في أنّ قنوات الأمم المتحدة لا تزال سالكة على رغم تعثّرها وبطئها أحياناً كثيرة»، مشيراً إلى أنّ «القرار الذي صدر يندرج في إطار توجّه الأمم المتحدة لتفعيل أحكام القانون البيئي الدولي اﻠﺫي يُعنى بحماية البيئة، وتشملُ موضوعاته منع تلوّث المياه البحرية وتوفير الحماية والاستخدام المعقول للثروات البيئية والأحياء البحرية، وحماية المحيط الجوّي من التلوّث، وحماية النباتات والغابات والحيوانات البرّية، وحماية المخلوقات الفريدة».

ويشرح مرقص: «في المبدأ ليس لقراراتِ الجمعية العامة طبيعة ملزمة، وذلك وفقَ المادتين 10 و14 من ميثاق الأمم المتحدة، اللتين تطلقان على هذه القرارات تسمية «توصيات»، أمّا قراراتها التي تعالج مسائل داخلية متعلقة بالأمم المتحدة وتلك المتعلقة بمسائل الميزانية، أو بتعليمات لأجهزة أخرى أدنى منها مرتبةً في الأمم المتحدة، فتكون ملزمةً بالنسبة إلى الشخص الذي توجَّه إليه. أمّا القرار الصادر بحقّ إسرائيل، فإنّه صادر في وجه دولة عضو في الأمم المتحدة، وموجَّه إلى شخص محدّد في القانون الدولي، لذلك له طبيعة ملزمة، لكنّه لا يحمل بذاته قوّة تنفيذية».

ويضيف: «في حال لم تنفّذ إسرائيل القرار المذكور، تقتضي العودة إلى الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة المتعلق بحَلّ النزاعات بالطرُق السلميّة، الأمر الذي قد يتطلب تدخّلَ مجلس الأمن وفق المادتين 34 و36 من الميثاق، مع الأخذ في الاعتبار أنّ المنازعات تُعرَض بدايةً على محكمة العدل الدولية في لاهاي، على اعتبار أنّها الأداة القضائية للأمم المتحدة التي تفصل في النزاعات بين الدوَل سنداً إلى المادة 36 من الميثاق».

ويؤكّد مرقص أنّ «ولاية المحكمة الدولية ملزِمة ولا يمكن لإسرائيل التنصّل منها (كما هو الحال بالنسبة إلى المحكمة الجنائية الدولية) كون المادة 93 فقرة 1 من ميثاق الأمم المتحدة تنصّ بوضوح على أنّ جميع أعضاء الأمم المتحدة بحكم عضويتهم أطرافٌ في النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، وبحسب المادة 36 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، فإنّ ولاية المحكمة تشمل كلّ القضايا التي يعرضها عليها المتقاضون، كما تشمل كلّ المسائل المنصوص عليها بصفة خاصة في ميثاق «الأمم المتحدة» أو في المعاهدات والاتفاقات المعمول بها، إضافةً إلى نوع التعويض المترتّب على خَرقِ التزام دولة ومدى هذا التعويض، وهو موضوع القرار الصادر لصالح لبنان».

أمّا في حال عدم التزام إسرائيل قرار المحكمة الذي يصدر في هذا الشأن، فيقول مرقص إنّه «يقتضي العودة إلى مجلس الأمن الدولي الذي يقدّم توصياته أو يصدر قراراً بالتدابير الواجب اتّخاذها لإنفاذ هذا القرار، وذلك سنداً للمادتين 93 و94 من ميثاق الأمم المتحدة».

ويرى أنّ «العبرة تكمن في تنفيذ ما آلت إليه الجمعية العامة، لأنّ الإنجاز المذكور دونما تطبيق يبقى مجرّداً من قوّته التنفيذية»، معتبراً أنّ «إسرائيل لن تلجأ إلى تنفيذه طوعاً بل جَبراً، سواءٌ بموجب حكم ملزم من محكمة العدل الدولية، وهو الأمر المرجّح، أو بموجب تدخُّل من مجلس الأمن الدولي، وهو أمرٌ مستبعَد، إلّا أنّ المتوقّع هو مساندة أوروبّية لموقف لبنان، لأنّ الضرر البيئي أصبح متمادياً جغرافياً، بحسب القانون الدولي البيئي، فالضرَر الذي يصيب الشاطئ اللبناني قد يصيب أيضاً شواطئ الدوَل الأوروبية المتوسطية».