IMLebanon

ما لا يُدرك كله لا يُترك جلّه

لا أحد يتوقع، وان كان البعض يطلب، أن تكون الخطة الأمنية في الضاحية الجنوبية كاملة الأوصاف. ولا شيء يوحي، وإن تقدم المشهد خطاب الترحيب بالخطة وتكرار القول انه لا بديل من الدولة ودورها، ان الظروف والحسابات الاستراتيجية التي قادت الى وضع استثنائي في الضاحية والجنوب والبقاع تبدلت، سواء في الاطار المحلي أو في الاطار الاقليمي. فيما فتح الطريق أمام الخطة هو ارتفاع الشكوى من ظواهر مزعجة ومخالفة للقانون تتراكم وتفضّل القوى الممسكة بالأرض أن تتولى القوى الأمنية الرسمية معالجتها، وليس التسليم بأن الساعة دقّت لتغيير في الأساس، بحيث يعود الوضع الاستثنائي عادياً.

والمسألة ليست امكانات القوى الأمنية، فهي أثبتت انها قادرة وبارعة حيث يتاح لها، بل الحدود المفروضة على القرار السياسي بسبب الانقسامات وتنوّع الارتباطات. والمشكلة هي التكيّف مع العجز عن رسم خطة سياسية وطنية تبقى الأساس قبل أية خطة أمنية، سواء داخل الحكومة الرئاسية، التي صارت قدرنا، أو خارجها أو حتى لو كان في القصر الجمهوري رئيس وفي ساحة النجمة مجلس يشرّع ويراقب ويحاسب ويرفض التمديد لنفسه من دون أي مبرر سياسي أو أمني.

ولا جدوى من مطالبة القوى الأمنية التي تنفذ مذكرات قضائية بالقاء القبض على المطلوبين للمثول أمام المحكمة الدولية كمتهمين في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، أو حتى بالبحث عنهم. فلو ظهر أحدهم أمامها لارتبكت وتجنبت ورطة خطرة. ولا فائدة من التوقف أمام التناقض بين صورتين في مشهد واحد في الضاحية: صورة السلطة تحاول تطبيق الممكن من خطة أمنية. وصورة حزب الله يحشد المقاتلين والأسلحة استعداداً لمعركة كبيرة في القلمون السوري، ضد داعش والنصرة وسواهما، يقال انها اقتربت من ساعة الصفر بعد اكتمال المعلومات عن الارهابيين عبر وسائل عدة، بينها طائرات من دون طيار يملكها الحزب الذي اعلن امينه العام السيد حسن نصرالله في الشتاء ان المعركة آتية بعد ذوبان الثلوج.

لكن الواقعية تفرض على الجميع النظر الى الخطة الأمنية وسواها من خلال المبدأ الفقهي الشهير: ما لا يُدرك كلّه لا يُترك جلّه. فليس لأزمة النظام اللبناني حل جذري. ولا لارتباط أبسط القضايا في لبنان بأزمات المنطقة وصراعات المحاور فيها حل من الداخل أو من الخارج وإن كنا نتأثر بالصراعات من دون ان نؤثر فيها جدياً. ولا التركيبة السياسية العاجزة والمفلسة والمنقسمة تتخلى عن حراسة الأزمة وتقبل اقرار قانون انتخاب يبدل في التركيبة ويعيد تكوين السلطة. وأقصى ما نستطيع فعله حالياً هو التوصل الى حلول وتسويات جزئية وتطبيق خطط جزئية لأن البديل هو الانهيار.