الرئيس فلاديمير بوتين ربح المونديال السياسي، حيث اللعب بالرؤوس من دون الأقدام. وهو يبدو كمن أصاب كل العصافير، لا مجرد عصفورين حسب المثل، بحجر واحد. فما ساعده هو شيء من الحظ، وشيء من المغامرة في توظيف القوة، وشيء من البراعة في اللعب على نقاط الضعف لدى الآخرين. وما قدّمه المسرح السوري للدور الروسي في المنطقة والعالم أكبر بكثير مما فعلته القوة الروسية في سوريا.
ذلك ان بوتين لعب في أوروبا عبر ضمّ شبه جزيرة القرم ودعم الانفصاليين شرق أوكرانيا، فواجه عقوبات أميركية وأوروبية قاسية وشبه عزلة ديبلوماسية. ولعب في سوريا عبر دعمه للنظام، فصارت موسكو مقصد الجميع ومركز الاتصال الروسي، واستعادت كثيرا من دورها كقوة عالمية عظمى. فالكل في حاجة الى بوتين: الرئيس دونالد ترامب الذي يلتقيه في هلسنكي يوم الاثنين. الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي يلتقيه في موسكو الأحد، حيث يلعب الفريق الفرنسي المباراة النهائية. المستشارة الألمانية انغيلا ميركل. قادة مصر والسعودية والامارات. نتنياهو الذي صارت موسكو مثل بيته الثاني. الدكتور علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الأعلى علي خامنئي الحامل رسالتين الى بوتين بعد زيارات عدة لقائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني. والرئيس التركي رجب طيب أردوغان وآخرون كثر آخرهم وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي.
وليس من السهل على بوتين في دوره المتوسع ان يلبّي المطالب المتناقضة التي يحملها كل طرف. ما يطلبه ترامب ونتنياهو ودول عربية هو اخراج ايران من سوريا ضمن استراتيجية كبح النفوذ الايراني. وما يطلبه علي أكبر ولايتي وكل المسؤولين في ايران من محافظين واصلاحيين ومعتدلين ضمن العلاقة الاستراتيجية مع روسيا هو مواجهة السياسة الأميركية في الشرق الأوسط ودعم الاتفاق النووي الذي خرجت منه أميركا. ما يريده النظام هو المساعدة عسكريا في اعادة السيطرة على كل الأرض السورية. وما يطلبه المعارضون الذين يتولى ضباط روس التفاوض معهم على إلقاء السلاح هو ضمان الحماية من معاقبة النظام والعمل على تسوية سياسية.
وليس لدى بوتين مصلحة في اخراج ايران من سوريا، وان ترك لاسرائيل حرية ضرب أية قواعد ايرانية معلنا بعد لقاء نتنياهو ان العلاقات الثنائية تنمو بصورة ايجابية اقتصاديا وعسكريا. فهو، ومعه النظام، في حاجة الى القوات البرية لايران ووكلائها. وهو، كما يقول البروفسور والي نصر في مقال نشرته الفورين أفيرز، عمل مع ايران في افغانستان وآسيا الوسطى والقوقاز لمواجهة النفوذ الأميركي، وبالتالي فان ايران هي جائزة بوتين.
واللعبة طويلة. وليس أمام المستعجلين في لبنان والمنطقة سوى ترتيب أمورنا البلدية بالممكن.