النظام العربي يتداعى تباعا من المحيط الى الخليج. وهذه اشارة تفيد – بالمفهوم التاريخي – الى أن هذا النظام بتركيبته البنوية والسياسية والعقائدية كان ينطوي على عناصر ضعفه في جيناته، وعدم القدرة على استمراريته في الحياة بصورة طبيعية. والمفارقة الأسوأ والأكثر خطرا هي عدم وجود بديل لها قابل للحياة، مما يعني أن انهيارها في هذه الحالة هو تعميم حالة الفوضى في منطقة حيوية لأمن العالم واستقراره. وهذا يعني ان انهيار النظام العربي الراهن لا يمثل مشكلة مصيرية للعرب أنفسهم وحسب، وانما للعالم وللبشرية جمعاء أيضا، على اعتبار ان هذه المنطقة هي خزان عالمي للنفط والغاز والاقتصاد والموقع الاستراتيجي والطاقات الديموغرافية وغير ذلك…
وصلت الأنظمة العربية الى هذه الحالة المزرية والخطيرة التي قادت الى انهيار بعضها، ووقوف بعضها الآخر على حافة الانهيار، بدافع عاملين جوهريين: الأول، افتقار العرب الى ثقافة التضامن القومي على أساس واقعهم التاريخي والجغرافي من جهة، ووحدة المصلحة القومية العليا، ومصالحهم كشعوب شقيقة، من جهة ثانية. وكانت البداية أفضل لهم مما هم عليه اليوم، ومما وصلوا اليه من تنابذ وانهيار، مع غياب أية رؤى أو ارادات للنهوض من جديد. أنشأوا في البداية اطارا كونفدراليا متواضعا لتعاونهم ممثلا في جامعة الدول العربية. وبدلا من أن يطوّروه على أسس علمية وثقافية صلبة وثابتة كما في السوق الأوروبية المشتركة بداية، ذهبوا الى التنافس ثم التناحر على تولي الصدارة والقيادة في المنطقة، فكانت النتيجة أن انقسموا وتشققوا وانفرزوا الى جماعات متنافرة ومتقاتلة، كما في زمن الجاهلية!
ساهم الغرب الأوروبي الأميركي في اذكاء النيران بين العرب أنفسهم لتحقيق هدفين: بسط الهيمنة على المنطقة العربية بثرواتها وخيراتها أولا، وثانيا توفير الحصانة لاسرائيل، ومنعتها وضمان تفوقها في المجالات كافة على العرب، عسكريا وسياسيا واقتصاديا وتقنيا وغير ذلك. واذا كان انهيار النظام العربي يطرح مشكلة مصيرية للعرب أنفسهم، فليس الأمر نفسه بالنسبة لهذا الغرب الأوروبي – الأميركي. ومشكلته الوحيدة هي في ايجاد الأسلوب المرن لنقل زعامة المنطقة العربية الى اسرائيل، وبأسلوب ناعم ومتدرج! وهذا ما بدأنا نرى اشاراته الواضحة في زمننا هذا!.. ولكن يكفي أن تنهض دولة عربية واحدة ذات ثقل قومي وتتوحد بقوتها الذاتية، حتى تقود الدعوة الى نظام عربي جديد ومتقدم وعصري…