Site icon IMLebanon

ما الذي سيقوله أردوغان لبوتين؟

لا نعرف ما اذا كان المدعي العام الروسي يعدّ لنا مفاجآت خلال وجود الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في بطرسبورغ في التاسع من الشهر المقبل، لكننا نعرف انّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يعد يردّد ما قاله قبل أشهر حين هدّد القيادات التركية بأنه سيجعلها تندم على إسقاط الطائرة الروسية وانها لن تفلت من العقاب.

كنا نظن انّ بوتين اتصل فقط بنظيره التركي ليعلن فقط تضامنه مع تركيا، فاكتشفنا انّ بوتين زوّد الاتراك ما يملكه من معلومات وتقارير استخباراتية روسية رصدتها موسكو، الى جانب دعم اقتراح تحريك الشارع في وجه الانقلابيين، كالوضع الذي عاشته روسيا إبّان المحاولة الانقلابية الفاشلة وامتطاء القيادي بوريس يلتسين ظهر الدبابة وقتها.

إقتناعنا منذ البداية كان انّ اللقاء المباشر بين اردوغان وبوتين هو الكفيل بإنهاء التوتر التركي ـ الروسي وهذا ما حصل فعلاً بعد خطوات سياسية وديبلوماسية مَهّدت للقاء المرتقب في روسيا. العالم بأسره سيرى انّ اردوغان اختار روسيا وبوتين في اوّل زيارة له الى الخارج بعد الانقلاب الفاشل.

محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في تركيا كانت الفرصة الجديدة لتسريع المصالحة التركية ـ الروسية، خصوصاً انّ الرئيس التركي كان يردد قبل أيام، أنّ «أزمة الطائرة مع روسيا كانت متعبة حقاً، سنترك تدريجاً هذه الأزمة وراء ظهورنا، ونتطلّع بحماس الى المرحلة المقبلة».

حقيقة اخرى هي انّ ما حرّك عجلة التقارب العاجل بين انقرة وموسكو ودفع القيادة التركية للحصول على الاجوبة التي تريدها مباشرة من الكرملين بعيداً من أي وساطة غربية، كان موقف الادارة الأميركية التي دفعت حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي على رغم معرفتها بمشروعه السياسي في شمال سوريا في اتجاه التحضير لإعلان الكيان الكردي المستقل، وعرقلتها المستمرة لمطلب «المنطقة الآمنة» وموقفها الثابت في ضرورة إزاحة نظام الرئيس بشار الأسد كضمان أساسي قبل الدخول في اي عملية مساومة دولية.

في صلب التحوّل في الموقف التركي حيال روسيا، ربما يوجد اقتناع تركي باستحالة الرهان على موقف أميركي ـ أوروبي داعم لتركيا في المواجهة مع روسيا. وهناك قلق تركي حقيقي حيال سيناريوهات تناقش في المحافل الغربية عن أنّ مواجهة عسكرية تركية ـ روسية تعني للغرب فرصة إضعاف البلدين، وإخراجهما من لعبة التوازنات الاقليمية.

أنقرة فشلت في إقناع الغرب بتفهّم رغبتها في تحسين علاقاتها مع روسيا، لكنها لم تكن تتوقع ان يتحرك لتعطيل اي مشروع تقارب استراتيجي مع موسكو في منطقتي البحر الأسود وشرق المتوسط يهدف الى تقاسم المصالح مع اسرائيل وايران واليونان والاشتراك في مشاريع عملاقة في بحر قزوين وخطط إمدادات الطاقة المنطلقة من أذربيجان وجورجيا نحو أوروبا الغربية ومن اسرائيل الى اوروبا عبر قبرص وتركيا واليونان.

هناك اقتناع تركي بأنّ المستفيد الاول من إسقاط الطائرة الروسية في كانون الثاني 2015 كان واشنطن التي تركت تركيا تواجه بمفردها التصعيد الروسي وسارعت للمساومة مع الكرملين في إدارة اكثر من ملف اقليمي على حساب تركيا.

لا بل انّ ما يقال اكثر هو انّ جماعة فتح الله غولن المنتشرة في المدن الاميركية هي التي أسقطت الطائرة الروسية عبر ضبّاطها في الجيش التركي بناء على تفاهم مع واشنطن لإدخال تركيا في ازمة مباشرة مع موسكو وترك الداخل التركي امام حال من التأزم والتوتر والارتباك، وهذا ما حصل فعلاً في الاسابيع الاولى للأزمة.

الحديث المتزايد في الاعلام التركي المحسوب على حزب «العدالة والتنمية» عن وجود اصابع اميركية ساهمت في تحريك الانقلاب الفاشل هو اقتناع تركي جديد يفتح الطريق امام المضي التركي في سياسة التحول نحو موسكو أكثر فأكثر، الّا اذا كانت الاستخبارات الروسية هي التي وضعت هذه الخطة لإنجاز عملية القطيعة بين انقرة وواشنطن، وهو احتمال مستبعد طالما يقال انّ الاستخبارات الروسية هي التي قدّمت معلومات بيانية لتركيا حول اتصالات رصدتها بين وحدات في الجيش التركي قبل ساعات فقط من المحاولة الانقلابية. المسألة باتت أكثر وضوحاً حول تقدّم لغة الانفتاح على أسلوب التصعيد والانغلاق في البلدين.

تركيا جاهزة لمَدّ يدها أولاً نحو روسيا، وذلك لن يفسّر على أنه أقصى ما يمكن لها أن تقدّمه في اتجاه إعادة المياه إلى مجاريها بين البلدين.