Site icon IMLebanon

ما نتهرّب منه: مسؤولية الدولة عن الجماعة العاصية فيها

القضية قبل أن تكون قضية إجماع عربي أو غير اجماع عربي هي قضية مسؤولية. مسؤولية أي دولة تجاه مواطنيها، ومنظومة حقوق وواجب المواطنين في كنف دولتهم، ومسؤولية أي دولة تجاه الدول الأخرى. 

وهذا يعني بطبيعة الحال أنه لا يسع أي دولة أن تكون لامبالية أو غير مكترثة بمصير مواطنيها ان تعرّضوا لبطش جماعة، حتى لو كانت هذه الجماعة محلية القوام، بصرف النظر عمّن يرعاها ويمدّها بوسائل البطش. 

ويعني كذلك أنه لا يسع أي دولة أن تكون نائية بنفسها عن قيام جماعة من أبنائها المسلّحين بسلبها قرار الحرب والسلم، أو محو حدودها للقتال في دولة مجاورة، بما يتسبب به ذلك من قتل أناس من هذه الدولة المجاورة، ومقتل أناس من الجماعة العاصية.

في كل الحالات لا يسع أي دولة أن تقول إنّ لا تبعات داخلية وخارجية لعجزي أمام الجماعة العاصية، وأنه اذا كانت هذه الدولة لا تملك سبل ايقاف هذه الجماعة عن حدها أو ردعها أو حملها على تغيير ما بأنفس قادتها وجهازها وجمهورها، فان هذه الدولة لا يمكنها أن تتفاجأ من ثم بأنها تتحمّل مسؤولية ما تقترفه هذه الجماعة سواء ضد مواطني الدولة نفسها، أو ضد مواطني الدولة المجاورة، فاذا امتد عدوان الجماعة العاصية الى بلدان أخرى، كذلك الأمر لا يمكن أن تتكل الدولة على تاكتيكات النعامة التي تدفن رأسها في الرمل. 

الدولة مسؤولة عما يفعله مواطنوها في نهاية الأمر. مسؤولية تختلف مستوياتها ومترتباتها كثيراً لكنها تبقى بصفتها تلك: مسؤولية. لا سيادة وطنية لأي دولة من الدول من دون مسؤولية. لأجل ذلك فمن الهزلي تماماً هذا الطرح الذي يشيعه «حزب الله» حالياً والذي يفترض فيه أن السيادة الوطنية الحقة هي تلك التي تعفي نفسها من شرط المسؤولية. لا يعني ذلك أن الفرقاء الآخرين في حلّ من مشكلة جوهرية مع السيادة الوطنية هم أيضاً، لكن على الأقل، موقعهم يجعلهم، في وجه الذين يتعاملون مع مفهوم الدولة على أنها مطية لهم ساعة اضطروا اليها، وشيء ينبذونه ساعة يدعوهم المرء الى احترام أسسه، وبحجة أنها دولة عاجزة وضعيفة، بدليل امتطائهم لها!!

ضعف دولة ما لا يلغي مسؤوليتها حيال «قوة» جماعة عاصية فيها. في الحرب السورية مثلاً، هناك دولة لبنانية ضعيفة نعم، لكن هناك احتلال جماعة لبنانية لأراض سورية، وهناك مسؤولية تتحملها الدولة ككل هنا، وليس الجماعة العاصية وحدها، وهذا ينسحب على كل القضايا الأخرى. حين تنشط هذه الجماعة تخريبياً ضد بلدان أخرى، فهذا أيضاً يطرح مسؤولية على الدولة. من النفاق الايحاء هنا أن السيادة الوطنية تعني أنه يمكن للدولة المعنية حينئذ أن تقول حكومتها أو وزير خارجية في حكومتها أنها غير معنية بأخذ موقف من عمل تخريبي تقومه جماعة عاصية فيها ضد دولة تقيم علاقات ديبلوماسية معها، هذا قبل الدخول في حالتنا، الى مسألة الاجماع العربي. لا السيادة حجة، ولا غياب السيادة حجة، لإعفاء الدولة، أي دولة من مبدأ مسؤوليتها المزدوجة: تجاه أبنائها، وعما يفعله أبناؤها. 

طبعاً، تحمّل المسؤولية يختلف، باختلاف المعادلات الناظمة للاشتباك او الكباش مع الجماعة العاصية، ناهيك عن تغلغل هذه الجماعة العاصية في الدولة، ان لم يكن استتباع جزء من هذه الدولة. 

هناك التحمّل الأقصى للمسؤولية: محاسبة هذه الجماعة العاصية على غيّها واطاحتها السيادة الوطنية ومنطق الحدود الوطنية، واعتدائها على بلدان صديقة. 

وهناك حدّ أدنى من المسؤولية: قول هذه الدولة، أو الجزء الذي لم تأكله الجماعة العاصية منها بعد، أنها دولة منكوبة، منكوبة بهذه الجماعة، منكوبة بالتدخل الأجنبي الذي يسند هذه الجماعة، وأن هذا لا يعفيها من مسؤوليتها، لكنه يقلل قدرتها على ايفاء هذه المسؤولية حقها.