Site icon IMLebanon

ما مصير حوار “المستقبل” – “حزب الله” بعد تمديد المفاوضات الإيرانية – الغربية؟

فرضت مسألة تمديد المفاوضات بين ايران والدول الست الكبرى حسابات جديدة في الساحة الداخلية عنوانها العريض: الى أي مدى سينعكس ذلك على الرهان الذي كان يعقده بعض مكونات هذه الساحة على ذهاب هذه المفاوضات الى نهايتها المأمولة، أي التوقيع على تفاهم يضع حداً للصراع الطويل والمكلف بين طهران والغرب حول ملفها النووي.

الراصد عن كثب لجوهر الحراك السياسي لكل مكونات الساحة في الاسابيع القليلة الماضية يخرج باستنتاج فحواه ان طرفي النزاع فيها بنيا الكثير من آمالهما ورهاناتهما ومستقبل حراكهما على أن ساعة هذا التفاهم آتية ولا ريب، لكن النتيجة التي آلت اليها أخيرا مفاوضات فيينا التي شغلت العالم، فرضت على هذين الطرفين ان يكبحا جماح رهاناتهما والشروع في رحلة استقصاء عن الاسباب الحقيقية لهذا التمديد، وفي رحلة استشراف لما يمكن ان تنطوي عليه الاشهر الستة الحاسمة والاخيرة.

واذا كان محكوما على رُكني الساحة ان يُمدّدا ايضا رهاناتهما ويطيلا أمد حساباتهما في انتظار تحولات وتطورات ما في هذه الفترة الزمنية، لأنه يبدو جليا انهما يفتقدان أية فرصة للفرار من دوامة الانتظار الرتيبة، فان السؤال المركزي لدى المراقبين هو: ماذا بعد عن مسار الحوار المنتظر بين “تيار المستقبل” و”حزب الله”؟ وهل سيتأثر بتطورات الساعات الاخيرة في العاصمة النمسوية؟

وثمة ما يستدعي هذا السؤال على عجل، فالحديث عن هذا الحوار وعن انعكاساته الايجابية قد بلغ ذروته أخيرا الى درجة صار لدى بعض المشتغلين على خط انجازه حتميا وقاب قوسين أو أدنى، في حين ان بعضهم الآخر شرع في بناء عمارة آمال على نتائجه حدها الادنى ملء الشغور الرئاسي نزولا الى معادلة جديدة على كل المستويات والوقائع الامنية والاقتصادية.

وليس مفاجئا القول إن رئيس مجلس النواب نبيه بري هو في مقدم الساعين الى اكتساب لقب “العراب” لهذا الحوار والمبشّر بحدوثه بعدما استحال الكلام عليه مادة شبه وحيدة في خطابه السياسي اليومي، ولا سيما بعد انجازه التمديد لمجلس النواب وانسداد الافق أمام أي حديث آخر.

ولا ريب في أن المعنيين بأمر هذا الحوار توقفوا منذ انطلاق الحديث عن هذا الحوار المحتمل عند مدى تأثره سلبا او ايجابا بمآل التطورات الاقليمية، وتحديدا بالحوار الايراني – السعودي، واستطرادا بمسار التفاوض الايراني – الغربي حول الملف النووي.

ومع كل تقدم او تأخر على كلا الخطين كانت حرارة المشتغلين والمراهنين تنخفض وترتفع الى أن تكشّفت الايام القليلة الماضية عن اختبارين ومحكّين بدا للبعض انهما ينطويان على ايجابيات ويزخران بوعود، وقد تمثل أولهما في كلام أطلقه الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله ليلة التاسع من محرم، وأعلن فيه أنه مستعد للذهاب الى حوار مع “المستقبل” بلا شروط وخارج أية قيود او شروط لمرجعيته الاقليمية انطلاقا من صاحب المونة عليه وليس العكس. البعض تصور ان نصرالله يطرح على الطرف الآخر تحديا عليه ان يجيب عنه، وبالاخص عن مدى قدرته على الخروج من دائرة تأثير مرجعيته الاقليمية واثبات استقلاليته في الشأن الداخلي.

وظل سؤال نصرالله بلا جواب حاسم الى ان اتى اليوم الذي طالب فيه المندوب السعودي في الأمم المتحدة باضافة اسم “حزب الله” الى لائحة الارهاب الدولية. حينها كان الاختبار الثاني، فخرج من صفوف قيادات “التيار الازرق” من يعلن على الملأ ان الفعل السعودي لا يعني التيار، فاعتبر البعض ان “المستقبل” يرد على السؤال ويبلغ من يعنيهم الامر وفي مقدمهم الحزب، انه مستعد لتقبل فكرة عزل حسابات الاقليم عن حسابات الداخل والسير في ركاب التحدي الذي طرحه سيد الحزب.

وهكذا، اذا كان “المستقبل” قد نأى بنفسه عن عاصفة الفعل السعودي، فان الحزب آثر في المقابل التزام الصمت حيال السعي السعودي لوضعه على قدم المساواة مع افعال “داعش” واخواته.

وان يسارع “المستقبل” الى اخذ مسافة عن مرجعيته، وان يبادر الحزب الى العض على جرحه، شكل للبعض مدخلا الى تكريس فرضية معادلة جديدة واعدة على الساحة عنوانها العريض ان ثمة توجها حقيقيا لدى قطبي الساحة للإقدام على فعل نادر الحدوث وهو فك ارتباط الداخل بالخارج وضبط توتر الساحة الداخلية وبدء العمل الجاد لطي صفحة الاحتقان فيها والبحث عن حلول لملفات خلافية عالقة.

ومع وجود مناخات تسبغ على هذه المعطيات صحة، فان البعض لا يزال يأبى مغادرة مخاوفة وهواجسه من بروز عقبات تعرقل مسار هذا الحوار وتطيح هذه المناخات. وما رفع منسوب هذه المخاوف عودة رموز من “تيار المستقبل” الى تقييد هذا الحوار قبل انطلاق عجلته بشرط مسبق وهو التفاهم على رئيس توافقي. واذا كان البعض رأى في هذا الطرح هدفين هما ظهور “المستقبل” بمظهر الذاهب الى مفاوضات مع خصمه الألد ضمن دفتر شروطه، والثاني رد مباشر على تسمية السيد نصرالله لعون مرشحا حصريا للرئاسة الاولى، فان ثمة من عاد الى رؤيته القديمة القائلة بان الطرفين في حاجة الى خوض غمار هذه التجربة الحوارية، وانهما لا يتحملان ترف رفضها، وان “المستقبل” صاحب الحاجة الاكبر، علما ان ورقة هذا الحوار على قيمة من ان تستهلك في لعبة ملء الفراغ الداخلي.