أدخلت عطلتا نهاية الأسبوع وعيد الفطر، البلاد في اجازة سياسية تمتد حتى منتصف الأسبوع الطالع، يؤمل ان لا تلغي مفاعيل الوضع الأمني الممسوك والاستقرار المصان من جهة، واللقاءات الحاصلة على اكثر من محور سياسي ما يعني ان شيئا ما يحصل على الصعيد الرئاسي، فالاطراف السياسية كلها تتحرك في عدة اتجاهات وصولا الى توافق ما. فالرياح الساخنة التي هبّت من القاع، شكّلت جرس إنذار للاطراف السياسية ،خالقة دينامية داخلية مستجدّة هدفها تحريك المياه الراكدة في مستنقع الاستحقاق الرئاسي، فتسحر الحكيم عند الشيخ سعد، قبل ان يحكى عن لقاء جمع الاول ببيك المختارة الذي تردد انه زار الامين العام لحزب الله ، فيما كانت الرابية تغرد ضمن سرب عين التينة التي تستعد لاستقبال العماد عون مهنئا بعيد العيد، وانتظار مرشح زغرتا الضوء الاخضر للانتقال الى حارة حريك.
ورغم غياب عدد كبير من سفراء الدول الكبرى عن مراكز عملهم في اجازاتهم السنوية ، ولمناقشة الاوضاع مع حكومات بلادهم، وسط مخاوف عواصم القرار من اضطرابات امنية واسعة على خلفية التطورات الميدانية المتسارعة في سوريا، تنقل مصادر دبلوماسية مطلعة كلاما يبعث على القلق عن المستقبل اللبناني، نتيجة ما اسفرت عنه المباحثات التي شهدتها العاصمة الفرنسية ، والتي زاد من مسحة تشاؤمها تصاريح وزير الخارجية السعودي من باريس نفسها، ليتبين ان بارقة الامل التي كانت تلوح من خلف التحرك الديبلوماسي الفرنسي قد أجهضت على وقع التشنجات الاقليمية، مسقطة الدور الفرنسي كعراب لحلول مشاكل المنطقة.
في ظل هذا الفشل الفرنسي بالعودة الى المنطقة من بوابة الاستحقاق الرئاسي اللبناني، الذي وضع عمليا على طاولة المفاوضات الاميركية-الروسية، حيث بدأت تظهر وبحسب المصادر بوادر تنافس روسي-فرنسي على الساحة اللبنانية، والتوجه الجديد للادارة الاميركية بالتنسيق مع الفرنسية بعد القمة التي جمعت رئيسي البلدين على هامش قمة الامن النووي في واشنطن اواخر آذار، حيث كان الاتفاق على الاهتمام بلبنان كونه متضررا مباشرة من الازمة السورية ، نزوحا وارهابا، يتوقع ان ترتفع وتيرة التجاذبات بقوة في الايام المقبلة حول هذين الملفين، الذي من شأنهما ان يزيدا حماوة التوترات السياسية، نظراً الى ما أثارته وتثيره ملفات الفساد المفتوحة من احتدامات، يرى الكثيرون فيها أكثر من قطبة مخفية تتحكم بسلوك الكثير من الاطراف الفاعلة، ذلك ان الاحداث والتطورات تبدو في مشهد عبثي يصب في مكان واحد، حيث تنفض المشاكل بأقل قدر ممكن من الاضرار في ظل الوضع الاقليمي المتفجر والخلافات المستعرة حول اكثر من ملف، رغم كل ما حملته المعلومات عن مبادرة رئاسية محددة.
المصادر التي اوضحت ان الحراك المحلي يترافق مع مساع أميركية – روسية – فرنسية، كشفت عن لقاء جمع النائب سليمان فرنجية بولي ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان خلال زيارة الاخير الى فرنسا منتصف الاسبوع الماضي، مشيرة الى ان الجانب السعودي أكد خلال اللقاء أن لا مرشح للمملكة وهي لا تضع فيتو على أي مرشح وأنها تؤيد أي توافق بين اللبنانيين، الا أنها في الوقت عينه تخشى سقوط لبنان أكثر تحت الهيمنة الايرانية وتفضّل بالتالي رئيسا جامعا وفاقيا لا يكون طرفا ولا يشكل رافعة لأي محور على حساب آخر.
المؤكد من كل ذلك ان أمرا ما يدبر على الصعيد الرئاسي في لبنان، وهو ما لاحظته اوساط سياسية مراقبة انطلاقا من لقاء بري – باسيل، وصولا الى لقاء جنبلاط – جعجع واتفاقهما على ان استمرار الفراغ الرئاسي قد يقود البلد الى كارثة، علما ان طرح جعجع قائم على استحالة وصول رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية الى الرئاسة، في ظل الانقسام حوله بين الثامن والرابع عشر من آذار.
يصب في المجرى الرئاسي نفسه سحور بيت الوسط وعشاء الرابية، علما أن بري والحريري وجنبلاط يشكلون جبهة الرفض النيابية والسياسية لانتخاب العماد عون رئيسا، رغم نفي مصادر الازرق التوصل الى اي اتفاق أو تفاهم يُذكر خلال اجتماع بيت الوسط، جازمة أنّهم ليسوا بصدد تقديم اي تنازلات في المرحلة الراهنة وخاصة بما يتعلق بترشيح رئيس تكتل التغيير والاصلاح ، «بعد التنازلات الكبرى التي تم تقديمها في المرحلة الماضية والتي أدّت الى خسارات مدوية في الشارع السني، رغم رؤية مصادر مقربة من الثامن من آذار، « في لقاء بري ـ باسيل ما يبشر بحلحلة «الواقع السياسي المأزوم في لبنان»، وذلك عبر اختراقه معظم «البلوكات» النفطية والسياسية معا.
اما نتائج لقاء كليمنصو معراب، فتشير مصادر متابعة للقاء الى أنه تناول مروحة من المواضيع أهمها قانون الانتخاب، وقد جدد الجانبان التزامهما المشروع المختلط على النظامين الأكثري والنسبي بالاتفاق مع تيار المستقبل، رغم تكتم الطرفين على ما ساد اللقاء في شأن انتخابات الرئاسة الأولى، دون أن تستبعد أن يكون جعجع طرح مسألة دعم جنبلاط ترشيح العماد عون، خصوصاً أن جنبلاط كان لمّح أكثر من مرة بصيغة التساؤل عن المانع من انتخاب عون إذا حصل إجماع مسيحي عليه.
الاسبوع الذي بدأ باثنين امني الاسود انتهى بجمعة لقاءات سياسية رمادية،اذ في اجتماع واحد في عين التينة، تبددت غيوم ثلاث سنوات من التباين في الملف النفطي الغازي، وباتت الكرة في ملعب الحكومة، ليكتمل السلام والوئام في الملف الأكثر حساسية واستراتيجية للبنان ومستقبله الاقتصادي. الملف، سيتوسع نفطا أيضا باتجاه عواصم إقليمية أخرى، ومن شأن ذلك تسهيل حل الأزمات في المنطقة لا سيما السورية منها.
فهل تكفي تلك اللقاءات الدورية في تحقيق الخرق الرئاسي الموعود قبل جلسة الحوار الثلاثية ؟