IMLebanon

ما كان مأمولاً من إيران

عملاً بالأصول والتعبير الصادق عن النواياو تثبيتاً لطيبة هذه النوايا وترجمة عملية للإقرار المسؤول ولو أنه متأخر على مستوى القمة في النظام الإيراني، كان من المفترَض في إخواننا أهل هذا النظام إتخاذ إحدى خطوتيْن:

الأولى، أن يقرن النظام قول المرشد السيّد علي خامنئي «إن الإعتداء على السفارة السعودية عمل سيء للغاية وخاطئ أضرَّ بإيران والإسلام» وقول الرئيس حسن روحاني «إن الإعتداء مسيء ومُضر»، ببادرة حُسْن نية ويكلِّف وزير الخارجية محمد جواد ظريف بالتوجه إلى الرياض وتسليم خادم الحرميْن الشريفيْن رسالة من المرشد خامنئي تصاغ فيها التصريحات التي أدلى بها السيّد خامنئي لاحقاً (أي بعد حوالى شهر من العمل الإجرامي الذي إستهدف مقر السفارة السعودية في طهران ومقر القنصلية في مشهد). فما قاله المرشد في تصريحاته كان برسْم الرأي العام الإيراني مما يعني أنه يتفادى الظهور بمظهر المعتذِر أما عند صياغة مضمون التصريحات في رسالة من قائد إلى قائد، أو فلنقل من مرشد إلى وليِّ أمر هو الملك سلمان بن عبد العزيز، فإن الكلام المستحب قوله هو الذي يُقنع فلا يأتي ليجمع بين التعالي وبين الإعتذار الخجول المعرّف بعبارة «رفْع العتب». ومثل هذه الخطوة التي نشير إليها أحدث عدم إتمامها إنطباعاً بأن كلام المرشد أخذ في الإعتبار عدم التسبب بلوم مركز القوة الذي نفّذ عملية الإحراق وليس تخفيف الإنزعاج الذي بدأ سعودياً ثم تطوَّر خليجياً وبعد ذلك عربياً. وفي موقف الإدانة القوية وبالإجماع من جانب وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي ثم الموقف المماثل لمجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية بإستثناء الموقف المرتجِف من جانب وزير الخارجية اللبنانية جبران باسيل، ما يوضح أن إنزعاج دول الخليج والدول العربية هو من إنزعاج السعودية، بل قد يجوز القول إن كلاً من وزراء خارجية الدول المشار إليها تصرَّف وهو يصوِّت لقرار الإدانة كما لو أن الإعتداء الذي حدث كان بمثابة إعتداء على كل مبنى سفارة ومبنى قنصلية لهذه الدول.

الخطوة الثانية التي إفترضْنا حدوثها، لكن مع شديد الأسف لم تتم، هي أن يستبق أهل النظام الإيراني مناسبة إنعقاد المؤتمر الإستثنائي لمجلس وزراء «منظمة التعاون الإسلامي» في جدة يوم الخميس 21 كانون الثاني 2016 ويقف وزير الخارجية الإيرانية متكلماً ولمجرد بدء الجلسة الإفتتاحية، ويقول من الكلام ما من شأنه تحقيق بلسمة للجرح المعنوي الناشئ عن عملية الإحراق الإجرامية والتأكيد على أن الجمهورية الإسلامية في إيران عازمة على بدء صفحة طمأنينة مع الأشقاء والجيران من عرب وغير عرب مسلمين، وأن إعادة ترميم ما جرى إحراقه سيتم بسواعد إيرانية كنوع من الإعتذار عما حدث وأن إحتفالية رمزية إيرانية – خليجية – عربية – إسلامية ستقام في مبنى السفارة بأمل إطفاء مشاعر الغضب والعتب التي تفاقمت.

مع شديد الأسف أيضا، لم تفعل ذلك إيران، وجاءت إلى، المؤتمر الإسلامي في جدة متعالية تاركة الإنطباع بأنها ليست الدولة التي تعتذر وليست الدولة التي تُريد التجاوب مع دعوة العرب والمسلمين إليها لكي تجنح نحو العيش مع الجيران وبحيث لا يشعر هؤلاء بأن إيران تفعل عكس ما تقول. بل إن ما يثير الإستغراب هو أن وزير الخارجية محمد جواد ظريف لم يترأس وفد إيران إلى المؤتمر وإنما جرى إرسال نائب وزير الخارجية عباس عراقجي، وهو تصرُّف يعكس أحد أمرين: إمّا أن الوزيرمحمد جواد ظريف لم يحضر تفادياً منه للكثير من اللوم يسمعه من نظرائه وزراء خارجية الدول الإسلامية (عدا وزير خارجية لبنان الذي إستناداً إلى الموقف الذي إتخذه سينأى بنفسه عن اللوم وإستبدال ذلك، ربما، بإطراءات يستأنس بصياغة كلماتها بأجواء الإنصهار الثاني للعماد ميشال عون بالدكتور سمير جعجع بعد الإنصهار الأول للعماد بالأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله)، وإمّا أنّ الوزير ظريف لم يحضر متعالياً، من دون إقتناع بالتعالي، لأنه ضمناً، كما سائر رموز الجناح الإصلاحي في النظام الإيراني، يفضل ضمناً كما كثيرين من بينهم الرئيس روحاني ترميم علاقات إيران بدول الجوار الخليجي ودول عربية وإسلامية وأجنبية أُخرى كثيرة وهذا بعدما لاحظ أنه حتى سلطنة عُمان باتت تميل إلى تعديل جذري في موقفها من السلوك الإيراني، وحيث بدا واضحاً في أن وزير خارجية السلطنة يوسف بن علوي أدان، كما بقية الوزراء العرب، إحراق مقر السفارة السعودية في طهران ومقر القنصلية في مشهد.

وكما أن تغيُّب وزير الخارجية محمد جواد ظريف عن المؤتمر الإسلامي كان تضييعاً للوقت متعمداً، على ما يجوز الإفتراض، لفرصة إظهار حُسْن النية من جانب النظام الإيراني، فإن الإكتشاف المباغت للمسؤول عن عملية الإحراق يترك علامات إستفهام حول هذا التستر على الجناح الذي لا يتراجع عن مشروع التدخُّل في شؤون الآخرين الأمر الذي تفسره تصريحات وزير الخارجية السعودية عادل الجبير، وأحدثها قوله بعد التحادث مع وزير الخارجية الأميركية جون كيري في الرياض يوم السبت الماضي «إن إيران هي الدولة الأوُلى الراعية للإرهاب وستبقى كذلك، وأن الإدارة الأميركية تدرك حقيقة الحكومة الإيرانية كما أن دول الخليج تعمل مع الولايات المتحدة لمواجهة تدخلات إيران في المنطقة…».

في ضوء ذلك نجد أنفسنا نتساءل:

إلى متى سيبقى إخواننا أهل الحُكمْ في إيران على هذا المنوال؟ إذا كانوا يعتقدون أنهم بذلك يمهّدون لبسْط امبراطورية مذهبية فإن إعتقادهم سيصطدم بعزلة عربية- إسلامية لهم أين منها العزلة الدولية التي دامت سنوات وستنحسر إنما بالتدرج وعلى حساب المبدئية الخمينية-الخامنئية.

ولماذا لا يستحضر إخواننا أهل الحُكمْ في إيران القول الطيِّب للإمام علي(رضي الله عنه): «إجعل نفسَك ميزاناً في ما بينك وبيْنَ غيرك، فأحبب لغيرك ما تُحب لنفسك وأكرَه له ما تكرَه لها، ولا تظلِم كما لا تُحبُّ أن تُظلَم، وأحسِن كما تُحبُّ أن يُحسَن إليك ولا تقُل ما لا تُحبُّ أن يقال لك».

أليس هذا النُصح يهدي إلى سواء السبيل، وإلى خير علاقة وأفضل تخاطُب مع جيران دعا رسول الله النبي محمد (#) إليها بالقول: «لا تَقاطعوا ولا تَدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخواناً».

ونختم بالكثير من التمني أن يقرر إخواننا أهل الحُكمْ في إيران أنهم في ضوء ربع قرن من التدخُّل والتعالي وتصدير المتاعب سيأخذون بعد الآن بما ينطبق عليه قول الرسول «يسِّروا ولا تُعسِّروا وبشِّروا ولا تُنفِّروا». فإذا تم الأخذ تصطلح أمور العباد ويبدأ بالتراضي والتفهم ترميم تداعيات التدخُّل على أنواعه.

والله يتقبل هداية كل مَن عليه أن يهتدي.