تتَّجه قضية الإفراج عن ميشال سماحة الى الحسم قبل جلسة الثلثاء المقبل حيث من المتوقع أن توضع على طاولة مجلس الوزراء بعد تأجيل بحثها في الجلسة السابقة بسبب تراكم الملفات.
في المعلومات أنّ «هذه القضية التي شكّلت منعطفاً في تاريخ المحكمة العسكرية تُضاف الى عدد من الملفات التي نظَرت فيها المحكمة والتي طرحت علامات استفهام لا بل تشكيك في بعض قراراتها ووصَفتها بأنها «غير قابلة للثقة وغير مُطابقة للقانون»، ومن هنا جاء قرار وزير العدل أشرف ريفي بمواجهة هذه المحكمة عبر مجموعة من المسارات، بدأها فور صدور الحكم المخفّف على سماحة، حيث أحال الى مجلس الوزراء طلب نقل الملف الى المجلس العدلي، باعتباره ملفاً يتصل بالعمليات الارهابية التي نفذت في لبنان، والأبرز منها تفجيرات الضاحية التي أصبحت في يد المجلس العدلي.
ويتَّهم المعترضون على قرار إخلاء سماحة «حزب الله وفريقه» بأنهم يرفضون نقل ملف سماحة من المحكمة العسكرية الى المجلس العدلي، وهم «سيحاولون تعطيل التصويت على هذا القرار».
وإزاء ذلك سيكون السؤال ماذا سيقرر رئيس الحكومة تمام سلام، وهل يمكن أن يقبل بأن يطوى الملف وكأنّ شيئاً لم يكن؟ وهل يستمهل ليأخذ بعضاً من وقت اضافي، أم سيضرب بيده على الطاولة، لعدم تجاوز مسألة الافراج عن سماحة، كونها تهدّد السلم الاهلي وتضرب هيبة القضاء؟
امّا السؤال الثاني فيتعلق بوزراء تيار «المستقبل» وحلفائهم في مجلس الوزراء، وهو يرتبط بمدى تمسّكهم بقرار إحالة سماحة الى المجلس العدلي، بغضّ النظر عن التطمينات التي سرّبت بأنّ محكمة التمييز ستتشَدّد في الحكم على سماحة وقد تعيده الى السجن لسنوات أو أشهر إضافية.
لم تعد القضية، برأي مصادر وزارية، مرتبطة بملف سماحة على أهميته، بل «بعمل منظومة كاملة لا تصدر أحكامها الّا انسجاماً مع ما يريده «حزب الله» وحلفاؤه، هذه المنظومة التي لم يعد لها وجود في الدول المتطورة كونها تشكّل عنواناً للمحاكم الاستثنائية، التي تنفذ قرارات السلطة على شكل أحكام قضائية تفتقد للمصداقية».
لجنة الادارة والعدل
وتضيف المصادر أنّ اجتماع لجنة الادارة والعدل الذي عقد يوم الإثنين في 25/1/2016 في مجلس النواب، برئاسة النائب روبير غانم، وحضور مقرر الجلسة النائب هاني قبيسي والنواب: ايلي كيروز، نعمة الله ابي نصر، زياد اسود، سمير الجسر، نواف الموسوي، غسان مخيبر، نديم الجميّل، سيرج طورسركيسيان، علي عمار وحكمت ديب، والذي حضره رئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي جان فهد، وعن وزارة العدل مستشار الوزير ريفي القاضي محمد صعب، وعن وزارة الدفاع الوطني المحامي هيام ملاط، والمقدم عامر بدر، وعن نقابة محامي بيروت سميح بشراوي، ونقيب محامي طرابلس فهد المقدم، شكّل دليلاً على «مدى اعتبار حزب الله الإبقاء على صلاحيات المحكمة العسكرية، أمراً حيوياً لا تنازل عنه».
وكشفت مصادر نيابية لـ«الجمهورية» أبرز النقاشات التي حصلت داخل الجلسة التي شهدت سجالاً ومواجهة حامية خلافاً لِما أعلن بعد الجلسة من أنّ النقاش كان هادئاً وموضوعياً.
فقالت إنّ النائب نواف الموسوي تولّى دور محامي الدفاع عن المحكمة العسكرية، مشكّكاً في أيّ طرح يطاول تعديل صلاحياتها، ولم يجاره في هذا التوجه سوى القاضي فهد الذي فاجأ الجميع بموقف متشدّد في دعم المحكمة العسكرية مطالباً بتوسيع صلاحياتها ومعتبراً أنها أكثر جرأة وإنتاجية من القضاء العدلي، معبّراً بوضوح عن أنّ القضايا التي عرضت على المحكمة العسكرية وتمّ البَتّ فيها بسرعة كانت لتبقى لسنوات لَو نظر فيها قضاة عدليون، واعتبر أنّ لبنان بتوسيع صلاحيات المحكمة العسكرية في العام 1958 سبق أكثر الدول حضارةً في مجال العدالة وحقوق الإنسان.
موقف فهد كان صادماً لكثير من الحاضرين ولا سيما أنه عكس ثقته بالمحكمة العسكرية التي لا تتبع لوزارة العدل وللقضاء العدلي الذي ينتمي إليه، وتساءل البعض عمّا إذا كان يعبّر في موقفه عن رأي مجلس القضاء الأعلى.
من ناحية أخرى، شهدت الجلسة موقفاً واضحاً للنائب غسان مخيبر الذي عبّر عن رأيه بوضوح في رفض نظام المحاكم الإستثنائية إنسجاماً مع توجّه المجتمع الدولي ومعايير حقوق الإنسان، كذلك فعلَ نقيب المحامين في الشمال فهد المقدم وممثل نقابة المحامين في بيروت اللذين عكسا موقفاً موحداً في رفض بقاء المحاكم الإستثنائية وتحديداً العسكرية منها، الأمر الذي دفع بالنائب الموسوي الى طلب حضور نقيب المحامين في بيروت شخصياً للوقوف على رأي النقابة الصريح في هذا الشأن، ويبدو أنّ الموسوي كان يراهن على موقف مغاير للنقيب انطونيو الهاشم باعتباره محسوباً على «التيار الوطني الحر»، إلّا أنّ الجواب جاءه من النائب مخيبر الذي أكّد أنّ موقف نقابة المحامين في بيروت مستقر على رفض الإبقاء على صلاحيات المحكمة العسكرية وأنّ موقفها هذا مُثبت خطياً وبمراسلة رسمية للجنة.
مواجهة نارية
الى ذلك، دخل الموسوي في مواجهة نارية مع النائب عماد الحوت طغى عليها الطابع السياسي والبعد الديني، وشنّ هجوماً على وزير العدل، فرَدّ عليه مستشار ريفي الذي قدّم مداخلة نارية إعتبر فيها أنّ من يملك الحد الأدنى من الثقافة القانونية ومن يَفقه أبسط معايير العدالة يخجل أن يدافع عن المحكمة العسكرية، وأنّ العالم المتقدم لا يقبل بأن يحكم بين الناس سوى قضاة ويرفض على الإطلاق حكم العسكريين على المدنيين،
مؤكداً أنّ الدول المتقدمة أنشأت محاكم متخصّصة في قضايا الإرهاب مؤلفة من قضاة وليس من عسكريين، ووجّه تحية لضبّاط الجيش اللبناني ورتبائهم وعناصرهم على دورهم الوطني في الدفاع عن تراب الوطن، لكنه أضاف أنّ القضاة وحدهم قادرون على القيام بمهمة الحكم بين الناس، كما أنّ الجيش والقوى الامنية وحدها قادرة على حماية الوطن من أيّ اعتداء.
وأشار القاضي صعب الى أنّ «سبب غزارة إنتاج المحكمة العسكرية هو أنّ الأحكام فيها تصدر وفق نماذج معدة بصورة مسبقة ويتمّ تعبئتها من هيئة المحكمة ومن دون أيّ تعليل، في حين أنّ القضاء العدلي يعمل على النوعية في الأحكام التي تتضمَّن تعليلاً مفصّلاً لكل معطيات القضية، لا على الكمية التي على رغم أهميّتها لا تُسجّل انتصاراً للمحكمة العسكرية على القضاء العدلي لأنها فاقدة للنوعية».
في الخلاصة، شهدت الجلسة شبه إجماع ضد المحكمة العسكرية بصلاحياتها الموسعة لم يخرج عنه إلّا النائب الموسوي والقاضي فهد، الذي تبرّع منفرداً بتغطية رئيس محكمة التمييز القاضي طاني لطوف، بعد صدور القرار بإخلاء سبيل ميشال سماحة.