IMLebanon

ماذا بعد «داعش»؟

تكاد الموصل تتحرّر من «داعش». بلا تردد ولا تحفّظ، هذا حدث إيجابي ومريح، لم يعشه العراق منذ سنوات طويلة. لكن يبقى هذا الحدث، بداية وليس نهاية. الاحتفال بالخلاص النهائي، ما زال بعيداً. الانتصار العسكري لا يكفي، لأنه لا يحل الأزمة. «داعش» أصبحت حالة لها حضورها ووجودها وحتى جذورها وفروعها، وليس تنظيماً فقط.

بعد الموصل في العراق، سيأتي دور الرقّة في سوريا. الاستعدادات العسكرية على قدم وساق. معركة الرقّة أكثر تعقيداً من معركة الموصل. تعدد الأطراف والأقطاب المتداخلة في كل شيء، من الوجود الى الطموحات والرغبات، وصولاً الى التناقض في الأهداف والمصالح، يزيدها تعقيداً.

يبقى، بالنسبة للحرب المشتركة في الموصل والرقة، وما بعد الانتصار، سؤال كبير وهو: ماذا بعد «داعش»؟ هذا السؤال الذي يشغل جميع دوائر القرار الدولية والإقليمية. ما يفرض هذا السؤال، أن الانتصار لا يلغي «داعش» ولا يقتلعها جسماً ولا فكراً

ولا حتى انتشاراً، وإن كان ذلك سيتم بطرق وأساليب مختلفة، وفي ساحات وميادين عديدة قد لا يجمعها شيء سوى الحلم والثأر والإيمان بأن «السيف القاطع» هو الحل الى الأبد لنشر «دولة الإسلام».

السؤال الأساسي والكبير الذي يبدأ منه مسار ما العمل لاقتلاع «داعش»، بداية في العراق، هو:

– من هي، «داعش»؟

– ما هي، «داعش»؟

– من هم، «داعش»؟

«داعش»، هي تجمّع لقوى ومجموعات متنوعة انطوت تحت شعار «الدولة الإسلامية»، رغم تنوعها واختلاف عقائدها وأهدافها. لقد تشكلت من مجموعات بعثية سابقة، وضباط وأفراد من الجيش العراقي معبّئين بالحقد الناتج عن الهزيمة والتهميش وحتى التجويع بعد قطع رواتبهم نتيجة لقرار ملاحقة البعث واجتثاثه ومجموعات إسلامية بعضها لم يكن حملُ السلاح من عقائدها مثل «النقشبندية»، وبعضها الآخر متطرف من أساسه.

أما ما هي فإنّها شرائح واسعة من السنّة العراقيين الذين عانوا من الحرب، ومن مبالغة النظام الذي ورث صدام حسين، والتنظيمات الشيعية المتطرفة، والشعور النامي ضد إيران كقوة غازية ومحتلة.

أما مَن هم أعضاء «داعش» المقاتلون، فإنهم باعتراف مصادر عراقية معارضة ومقاتلة ضدهم، أنّ عديدهم يصل الى مائة ألف مقاتل، الأصعب في ذلك أن 95 في المئة منهم عراقيون والباقي خمسة آلاف من الأجانب.

هذه الخصوصية العراقية الغائبة في سوريا، تفرض سؤالاً خطيراً وهو: ما العمل مع هؤلاء المقاتلين الذين إن سجنوا حقدوا أكثر فأكثر، وإن أُطلق سراحهم حالياً لا يمكن ضبط حركتهم خصوصاً إن لم يتم استيعابهم؟ لذلك فإنّ مقاتلي «داعش» العراقيين الذين سيبقون أحراراً هاربين ومتنكرين سيتحولون الى «قنابل موقوتة»، يمكن مع الوقت والأحداث تحديد وجهة وساعات انفجارهم، مما يعمّق الأحقاد في الأوساط الأخرى، وبالتالي تشعب وتنوع وجهات الردود.

أمام هذا الوضع، لا يمكن مواجهة ما بعد «داعش» سوى بسياسة مدروسة داخلياً وخارجياً. يجب قيام إدارة سياسية عراقية حكيمة جداً تعمل على معالجة «الحالة الداعشية» في المجتمع السني العراقي، في جميع الجوانب السياسية والاقتصادية والتنموية، وخصوصاً المذهبية. وإعادة بناء الحالة الشيعية في إطار بناء دولة حديثة وليس للثأر والتحكم، فالعراق يكون للجميع أو لا يكون. يجب بدايةً ونهايةً إقفال كل الطرق وبكل الوسائل، أمام الممارسات المذهبية القاتلة، وهذا يمكن وربما يجب أن يتم بسبب تكوين العراق بالتعاون مع العشائر، التي ينتمي أفرادها الى المذهبين السنّي والشيعي ولها مصلحة مباشرة بالسلم الأهلي.

أما بالنسبة للخارج، فإن القوى الإقليمية يتوجب عليها المشاركة في حصار «داعش» لاقتلاع حالته من داخل المجتمع العراقي السنّي. السعودية وتركيا الطرفان الأساسيان في المحاصرة وقطع مسارب التهوئة عنها عبر إعادة وصل ما انقطع عربياً بين العراق ومحيطه الخليجي، وهو أكثر من مهم، خصوصاً أن إيران استقوت كثيراً في العقد الأخير وفرضت نفسها فرضاً على المجتمع العراقي، الى درجة أن شرائح عراقية شيعية تصف الوجود الإيراني بالاحتلال.

ويبدو استناداً الى مصادر عراقية مطّلعة، أنّ رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، لم يبلغ طهران بزيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إلا قبل ساعات من وصوله الى بغداد، بدلاً من أن يتم تدارسها مع طهران قبل أيام كما جرت العادة. مما يدل على رغبة العبّادي في التفاهم مع المحيط العربي – الإسلامي – الخليجي في إنجاز شراكة، مستندة الى مصالح استراتيجية مشتركة في معالجة «الحالة الداعشية» من أساسها.

يبقى أنّ معركة «داعش» في الرقّة مختلفة. «داعش» ليست عميقة الجذور في المجتمع السنّي السوري، لأنّه لم تحدث سابقاً أي مواجهة شيعية – سنية لتعمّق الأحقاد.

المشكلة مَنْ سيَرِث «أرض داعش» في الرقة وفي سوريا؟

الصراع والتنافس مفتوحان بين القوى الخارجية وهي تركيا وروسيا والولايات المتحدة الأميركية، هذا التنافس هو الذي يؤخر معركة الرقة، التي متى وقعت ومتى انتهت، فإنّ الحرب في سوريا ستدخل مرحلة مختلفة عما سبقها، لأنّه سيتم خلالها رسم خريطة جديدة لسوريا، الأرض والنظام!