بصرف النظر عن الضجيج الذي يرافق نتائج كل جولة من جولات الانتخابات البلدية والاختيارية ويلبسها ما تحتمل وما لا تحتمل، تتعالى فوائد هذه الانتخابات من أبواب صامتة حتى الآن . في المقام الاول ، لم يعد أمرا بسيطا ان ترسم هذه الانتخابات الممنوع الاول وهو التمديد الثالث لمجلس النواب الحالي . اغلب الظن ان اي اتجاه الى تقصير الولاية الممددة للمجلس اما انها اقرب الى المناورات ، واما انها ستصطدم بعقبات من مثل التوافق المستحيل على قانون الانتخاب الذي يبدو التوافق على رئيس للجمهورية اقرب منالا منه . ومع ذلك فان نجاح الانتخابات البلدية أضاء الإشارة الخضراء من الآن امام انتخابات نيابية حتمية سواء في ايار 2017 او قبل ذلك بما يعني ان الاستحقاق البلدي اعاد الاعتبار الى مبدأ الانتظام في اجراء الانتخابات ، أي انتخابات، وهذا ليس قليلا في واقع لبنان.
الامر الآخر ان إجراء الاستحقاق البلدي في شهر أيار شكل ايضا المصادفة “الأفضل من الف ميعاد” نظرا الى الوقع السياسي والنفسي والمعنوي الثقيل لانتخابات بلدية تجري تباعا بسلاسة فيما سيحيي لبنان واللبنانيون الاربعاء المقبل في 25 أيار الذكرى المزدوجة لتحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي قبل 16 عاما ، و”تحرير” قصر بعبدا من رئيس الجمهورية قبل سنتين تماما . بذلك لا ترانا مغالين ان وقفنا بذهول امام الثرثرة الجوفاء التي تصاعدت عقب جولتي الانتخابات البلدية الاولى والثانية والتي ذهبت بعيدا الى قياس الزعامات هنا وهناك وخصوصا في المقلب المسيحي لاسقاط هذا الاستحقاق على المعركة الرئاسية. بل نتساءل قبل التسليم بهذه السذاجة والثرثرة : هل لا يزال في لبنان واقعيا معركة رئاسية بالمعنى السياسي الحقيقي السيادي الكامل ،او بالمعنى الانصياعي لانتظار الخارج؟ وهل هذه الأحزاب والقوى اللبنانية من كل الطوائف التي أقبلت بشراهة مفرطة على تقاسم البلديات كأنها إقطاعات مستباحة لا تزال تملك مشروعية الانخراط في معركة رئاسية بعدما انكشف عجزها وعقمها في التصدي للاستحقاق الاكبر الذي يرتبط بمسؤولياتها ولما فشلت في اختبارها الأم انبرت للتعويض في حصاد البلديات السهل والمستباح ؟
مع كل ذلك لا نراه أمرا سلبيا ابدا ان يطلق أيار الاستحقاق البلدي والذكرى الثانية للفراغ الرئاسي ” تسونامي ” من نوع آخر ترفع في وجه القوى التعطيلية للانتخابات الرئاسية وتعيد بعضا من اعتبار متناقص بخطورة عالية الى معيار السيادة المنتهك للنظام الدستوري بما يشبه أيام الوصاية نفسها بل أبشع . واللبنانيون الذين تنازلوا في كثير من واقعات هذه الانتخابات لقوى سياسية منهكة وأسبغوا عليها جرعات الإنعاش والشعبية سيكون عليهم بعد 25 أيار ان يواجهوا اليوم التالي العائد بأسئلة قلقة مصيرية ليس المجلس البلدي ” مؤهلا ” طبعا للإجابة عنها !