IMLebanon

ماذا بعد قمّة كامب دايفيد؟

هل كان الرئيس باراك أوباما مستعداً لعقد قمّة كامب دايفيد مع القيادات الخليجية، لو لم تقع «عاصفة الحزم» وتُغيّر في المسارات وتقلب بعض المعادلات التي بدت ثابتة ومُنتجة لتحوّلات استراتيجية في المنطقة عبر اليمن؟ وهل كان أوباما يضع حدوداً لا يكسرها في تعامله في القمّة، لو كانت «عاصفة الحزم» قد أطاحت كل المشروع الحوثي الإيراني؟ أخيراً ماذا بعد قمّة كامب دايفيد؟

الواقعية السياسية، وإن كان من الصعب تحمُّل قواعدها وشروطها في ظلّ أصوات المدافع والأراضي المرويّة بدماء الأبرياء قبل المقاتلين، تفرض إجابات حقيقية على مجمل هذه الأسئلة إلى جانب غيرها ستُطرح عاجلاً أم آجلاً.

بوضوح، لولا «عاصفة الحزم» المتأخرة كان مشروع «الهلال الشيعي» الإيراني كما تبنّاه وأعلنه قائد «الحرس الثوري» الجنرال جعفري، قد أصبح من الصعب جداً كسره. كانت إيران عبر مشروع مذهبي يكسر كل معادلات وشعارات ثورة الإمام الخميني، قد أمسكت مباشرة بـ»مفتاح» باب المندب ورفعت رصيدها في المفاوضات مع الولايات المتحدة الأميركية والأهم وضعت «السكين» في ظهر السعودية ودول الخليج العربية بكل راحة وتصميم. حتى الآن لا يوجد منتصر لانّ المعركة مفتوحة. الجديد أنّ واشنطن دخلت مباشرة وهي تريد لعب دور الحَكَم، بين فريقين أحدهما حليف قديم وثابت بحاجة له، ومشروع حليف قوي لكنه بحاجة للموافقة منه على حدود «امبراطوريته».

ما يؤكد أنّ «عاصفة الحزم» قد أحدثت مفاجأة وتغييراً مهماً في قواعد «لعبة الكراسي الموسيقية»، هذا الانفجار البركاني للعداء الإيراني للسعودية ولخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز. لقد بلغ هذا العداء إلى درجة الاعتداء السياسي والخطابي واستعمال مفردات الخطاب ضدّ إسرائيل بحق السعودية، بحيث نسيت طهران في 15/5/2015 اغتصاب فلسطين. من ذلك أنّ خطيب الجمعة الشيخ كرماني أفاض في شتم السعودية وتهديدها، وغيّب فلسطين والنكبة وإسرائيل، عن جماهيره. وكأنّه في زمن «الولي المجدِّد» آية الله خامنئي في زمن «الامبراطورية» الممتدة على طول «الهلال الشيعي»، قد أصبحت الثورة التي قادها الإمام الخميني في خبر كان.

حرب اليمن مثلها مثل الحرب في سوريا، طويلة. السعودية لا يمكنها وجودياً قبول انتصار إيراني. النظام الخامنئي لا يمكنه التسليم بفشل مشروعه، وخصوصاً أنّ الرئيس الأميركي ترك موقفه معلّقاً على قوّة ومبادرات الطرفَين، فقد وجّه نوعاً من الإنذار لطهران بأنّه سيسلّح السعودية ودول الخليج، ولكن ذلك يتطلب المزيد من الوقت لأسباب تقنية، وأنّه لن يقبل بتهديد منطقة الخليج. لكن أمام السياسة الأوبامية التي شعارها مفاوضات ربح ربح مَن يضمن حصر النشاط الإيراني حيث هو اليوم؟

إيران حتى الآن لم تربح. «الهلال الشيعي» الذي وصل إلى عدن، مليء بالحرائق والألغام. اليمن على حافة التقسيم «دوفاكتو». العراق لم يعد ينقصه سوى إعلان تقسيمه إلى ثلاث دول. سوريا انتهت. أقصى طموحات السوريين قيام دولة كونفدرالية أو فيدرالية بعد حروب كثيرة. لبنان لم يشتعل ولم يُقسَّم حتى الآن، لكنه يعيش منذ نصف قرن فوق خط نار لا مجال ولا إمكانية لإطفائه ولا للتخفيف من ارتدادات حرارته وزلازله على الداخل، خصوصاً منذ انتزع «حزب الله» قرار الحرب والسلم من الدولة اللبنانية. إيران الخامنئية، سعيدة بتشكيل «الهلال الشيعي«، لكن لاحقاً ستتأكد أنّها تمسك بهلال من البراكين المشتعلة، وبكل الأسباب التي تدفع الآخرين للعب على «حزام النار» القومية والعرقية ، من خوزستان (عربستان) وكردستان إلى بلوشستان، إلى جانب تبلور رفض الأقلية السنّية للتمييز الحاصل ضدّها، وكل ذلك على وقع أزمات اقتصادية واجتماعية شديدة وعميقة.

لقد فتح نظام «الولي المجدّد» جراحاً عميقة في الجسد العربي لتنفيذ مشروعه «الامبراطوري». يقول المثل الشعبي «لا مكرمة في الحرب». النظام الخامنئي قد لا يتأخر عن إشعال السعودية والكويت والبحرين في حروب مذهبية، لتنفيذ مشروعه، لأنّه لم يقل أين تقع نهاية «الهلال الشيعي». أمام هذا الاحتمال ما تقوم به السعودية ودول الخليج بدعم من أوباما أو بدونه «حرب دفاع« مشروعة عنها وعن باقي المنطقة علماً أنّ القوّة العسكرية وحدها ليست الحل. المنطقة كلها بحاجة لمشاريع تنموية واقتصادية واجتماعية خصوصاً في ظل صعود «داعش» وإرهابها.