حشدت الجلسة 36 لانتخاب رئيس للجمهورية عدداً من النواب يكفي لملء الفراغ المستمر منذ 22 شهراً، بدون أن تتوصل الى تأمين نصاب يسمح لرئيس البرلمان بدق جرس انعقادها. فـ«حزب الله» يواصل تعطيل إنجاز هذا الاستحقاق مستفيداً من وضع يسمح له بالتحكم، بالتكافل والتضامن مع حليفه الجنرال ميشال عون، بقرارات حكومة ما كانت لتستمر لولا حرص داعميها على عدم مواجهة الفراغ التام خصوصاً مع حالة الشلل التي يعاني منها مجلس النواب.
فالجلسة، التي بذل الرئيس سعد الحريري جهوداً جبارة لتكون منتجة، فشلت خصوصاً أن المرشحين الرئيسيين، عون والنائب سليمان فرنجية، تغيبا عنها كرمى لعيون «حزب الله» وفق سياسي لبناني سيادي. وهو يصف الجلسة بـ«المفصلية» لأن ما بعدها يجب أن يختلف عما قبلها متسائلاً» أما آن الأوان للتخلي عن ترشيحهما والبحث عن بديل خصوصاً في ضوء المواقف السعودية المستجدة تجاه لبنان؟».
فالسعودية تواصل على ما يبدو تحميل الحكومة، المؤسسة الدستورية الوحيدة التي لا تزال عاملة، المسؤولية ولم تتراجع عن وقف مساعداتها للجيش والأجهزة الأمنية ولا عن منع رعاياها من المجيء رغم سيل المواقف السياسية والشعبية المؤيدة لها، بما يعني أنها لن ترضى من الآن فصاعداً مواصلة الحزب فرض سلطة يضعها في خدمة «ولاية الفقيه» بغض النظر عن مصالح لبنان. فالسعودية انتقلت مع ولاية الملك سلمان بن عبد العزيز من سياسة المصالحة السابقة الى سياسة المواجهة بعد أن تبين لها أن المرونة السابقة لم تؤدِ إلا الى تمدد النفوذ الإيراني.
وما السبيل الى الخروج من مأزق يهدد مصالح مئات آلاف اللبنانيين العاملين في دول الخليج طالما أن الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله يؤكد العزم على مواصلة الهجمات على حكامها وصولاً الى اتهام الرياض في خطاب أول من أمس بالوقوف وراء عمليات التفجير التي ضربت مناطق نفوذه في السنوات الثلاث الأخيرة وادعائه بامتلاك اثباتات؟.
صحيح أن الشق الداخلي لخطابه تميز بنبرة هادئة غير معتادة، وبتأكيدات على عدم الانجرار لا الى سيطرة عسكرية على بيروت كما جرى في أيار 2008، ولا على التضحية بالحكومة أو بالحوار مع تيار «المستقبل«، وهو موقف لاقى فيه موقف الحريري لكن لأسباب مختلفة يعزوها المصدر الى الانصراف لمعاركه الخارجية لا الحفاظ على مصلحة لبنانية.
ويبقى الميل الى التهدئة مجرد سلوك شكلي أقله إذا ما قارناه بإطلاق الرصاص الكثيف الذي رافق إطلالة نصر الله على شاشة «المنار«. وقد تكون التهدئة في الداخل ناجمة عن توجه إيراني ليريح الحزب محلياً بانتظار جلاء صورة الأوضاع في سوريا، لكن مع تركيز المواجهة على محور النزاع الحقيقي على النفوذ المتجسد بمحور طهران-الرياض.
ويشبه المصدر دعوة نصر الله السعودية لمواجهته وحده بدعوته سابقاً أخصامه المحليين الى التقاتل على الأرض السورية لكأنه فعلياً هو السلطة. فقد توجه للسعودية بقوله «لن نسكت عن جرائمكم، مشكلتكم معنا، لا مع الحكومة ولا الجيش، واجهونا نحن».
وفي ما يبدو كانه استجابة للدعوة، أتى أول رد يستهدف حصراً «حزب الله» فصنفت دول «مجلس التعاون الخليجي» أمس «ميليشيات حزب الله بكافة قادتها وفصائلها والتنظيمات التابعة لها والمنبثقة عنها منظمة إرهابية».
ويتساءل المصدر عن احتمال أن يغير فوز الإصلاحيين في إيران سلوك «حزب الله» خصوصاً أن فوزهم يشبه فوز «قوى 14 آذار« في انتخابات العام 2009 من دون أن تتمكن من أن تحكم فعلياً بسبب الازدواجية الناجمة عن إمساك «حزب الله» بمفاصل السلطة. ويقول «هناك، لديهم الحرس الثوري«.