لا يمكن تصنيف توقيع معاهدة عسكرية بين روسيا والجمهورية الإسلامية في خانة الإتفاقيات التقليدية التي توقّع عادة بين الدول، في اعتبار أنّها تأتي في ظروف استثنائية وحساسة في المنطقة والعالم.
على رغم تأكيد وزيري الدفاع الروسي سيرغي شويغو والإيراني حسن دهقان عقب توقيع إتفاقية التعاون العسكري في طهران أمس بأنّ السنوات الماضية شهدت تطوراً في التعاون بين وزارتي دفاع البلدين، وأنّ الإتفاقية الجديدة تضع أساساً متيناً للعمل المشترك في المجال العسكري بينهما، إلّا أنّ التجارب السابقة تثبت عكس ذلك، وخصوصاً ما يتعلق بصفقة صواريخ منظومة «اس – 300»، التي وُقعت بين الطرفين عام 2007، بقيمة تتجاوز 800 مليون دولار، وبعد تصريحات نارية معارضة لتلك الصفقة من قبل واشنطن وتل أبيب تمّ إلغاؤها بمرسوم من الرئيس الروسي السابق دميتري ميدفيدف عام 2010.
حينها إضطرت طهران إلى اللجوء الى محكمة التحكيم الدولية في جنيف ضد شركة «روس أبورون أكسبورت»، بخصوص دفع غرامة بقيمة أربعة مليارات دولار بسبب عدم تنفيذ عقد توريد المنظومة الصاروخية.
وعلى رغم ذلك فإنّ مسؤولي صناعة معدات الدفاع الجوي في روسيا، أعلنوا أنّ المنظومات الصاروخية المضادة للجوّ من طراز «أس- 300» المخصصة لإيران لم تعد موجودة حيث تمّ تفكيكها تماماً، ما دفع الجمهورية الإسلامية الى تصميم منظومة «373 – بافار» كبديل عن «أس – 300» الروسية، حتى أنّ قائد قوات الدفاع الجوي الإيراني اللواء فرزاد اسماعيلي أكّد حينها أنّ هذه المنظومة اكثر تطوراً وفعالية من المنظومة الروسية من حيث المواصفات التقنية.
المواقف التصعيدية بين الطرفين حينها أوقفت عجلة محاولات التقارب في المجال العسكري بينهما الذي كان يعاني أصلاً من انقطاع لسنوات طويلة، إذ إنّ زيارة شويغو بالأمس هي الأولى لوزير دفاع روسي منذ خمسة عشر عاماً، الامر الذي يطرح الكثير من التساؤلات حول توقيت وأبعاد توقيع تلك الاتفاقية على مسرح السياسة الدولية، وانّ إشارة الوزير الروسي الى «وجود أخطار وتحديات مشتركة تواجه طهران وموسكو، ومن الضروري مواجهتها بالعمل المشترك»، تؤكّد أنّ هناك خلفيات غير معلنة للتقارب العسكري المستجِد بين طهران وموسكو.
بالطبع، فإنّ موسكو وطهران معنيتان بشكل مباشر في الكثير من الملفات الشرق أوسطية، وفي مقدمتها الأزمة السورية التي تشكّل بالنسبة للطرفين تحدياً كبيراً، إذ إنّ دخول طهران على خط المواجهات العسكرية بشكل مباشر في سوريا، يؤكّد مدى أهمية الحفاظ على الورقة السورية في معادلات المنطقة، لأنّها تشكّل مفصلاً ومدخلاً أساسياً الى ملفات لبنان والعراق وفلسطين، وذلك للحفاظ على تصاعد النفوذ والحضور الإيراني في اكثر من عاصمة عربية.
كما أنّ وقوف روسيا سداً منيعاً أمام المحاولات الغربية والاقليمية والعربية للتدخل الخارجي في سوريا، يؤكّد أهمية هذا الملف بالنسبة لموسكو في المواجهة التي تخوضها مع واشنطن وحلفائها.
إذاً، إنّ توسيع حلقات التواصل بين طهران وموسكو من السياسة الى العسكر يعني أنّ منطقة الشرق الاوسط امام سيناريوهات جديدة قد لا تكون بعيدة عن السيناريوهات المعتمدة في سوريا واليمن، في حال حظيت طهران بغطاء روسي دافئ في المحافل الدولية على غرار الغطاء الذي وفّره الروس لها في برنامجها النووي، إذ إنّه لا يمكن إغفال دور روسيا في عملية ضبط ايقاع التوتر بين الجمهورية الاسلامية ومجوعة 5 + 1، حيث أنّها كانت ولا تزال تؤدي دوراً أساسياً في صياغة التوافق بينهما في جولات جنيف المتكررة.