IMLebanon

ماذا بعد الترشيح؟

 

بعدما بات ترشيح الرئيس الحريري للعماد ميشال عون أمراً واقعاً، بدأت احتفالات «التيار» حتى قبل جلسة الانتخاب، والتي دونها عقبات عديدة، من جهة الحلفاء قبل الخصوم، في ظل تمسّك الرئيس برّي بموقفه المعارض لوصول الجنرال إلى بعبدا، وإلى جانبه المردة والكتائب والرئيس ميقاتي وسائر نواب الشمال، إضافة الى انقسام تيّار المستقبل بين داعم لخطوة الرئيس الحريري ومعارض لها، علماً أن النائب جنبلاط لم يحسم أمره بعد.

في ظل هذا الخلط الواسع للأوراق والتحالفات، لا تزال طريق بعبدا محفوفة بالتحدّيات، أولها داخلي وآخرها إقليمي، من حيث فكفكة العقد الداخلية وإيجاد التوازن في البيان الرئاسي بين لبنان دولة حرة مستقلة، التي نادى بها العونيون طوال تاريخهم السياسي واسترضاء حليفهم الأقوى «حزب الله» في ظل تورطه المباشر في الحرب السورية ودعمه للصراعات الإقليمية الدائرة في المنطقة. وهل سيتمكن الجنرال، في حال وصوله إلى سدّة الرئاسة من ترميم العلاقات اللبنانية – العربية التي دفع الوطن الصغير ثمن تردّيها غالياً من اقتصاده وفرص نموه؟

أما النقطة الأهم على الساحة المحلية، ما هي الخطوات التنفيذية التي يرسمها التيار العوني لردم الهوة الكبيرة بينه وبين جمهور المستقبل، الذي فقد الثقة بقدرة الجنرال على الحياد، وعلى لعب دور الرئاسة الجامع، من دون تمييز وبعيداً عن الخطاب المذهبي الناري، الذي استهدف القاعدة السنية من خلاله لفترات طويلة؟

إن الرئاسة ليست مرحلة انتقالية بل نهائية، ولتثبيتها واستحقاقها لا بدّ من التعالي عن الفكر الانفعالي والمزاجية السياسية والمصلحة الطائفية الضيّقة للتواصل مع اللبنانيين، كمواطنين وليس كمجموعات تابعة لفريق أو آخر. إن إعادة لمّ شمل اللبنانيين المشرذمين على مدى عامين ونيف، تحت مظلة الوطن، مهمة شاقة وتتطلب حكمة ودراية كبيرة من قبل الرئيس العتيد، بعيداً عن الكيدية والشخصانية الضيّقة.

أما طريق السراي فليست بأفضل حال أمام الرئيس الحريري الذي خطا خطوة هائلة نحو التسوية الرئاسية ودفع ثمنها من قاعدته الشعبية، التي أوّل ما يقضّ مضجعها هو إعادة التجربة مع نفس الفريق الذي أعطى الضمانات في الدوحة بالحصول على الثلث المعطل في الحكومة شرط ألا يُستخدم في الاستقالة وإسقاط الحكومة، إلا أنه بعدما نال ما أراد، أسقط الحكومة عندما كان الرئيس الحريري على باب البيت الأبيض في زيارة رسمية، بكل ما في الخطوة من دلالات! فما هي الضمانات التي يستطيع أن يقدمها العماد عون عند وصوله إلى بعبدا، وما هي «مَوْنته» على حلفائه لتسهيل تشكيل الحكومة، خاصة أن «حزب الله» كان قد أعلن عن شروطه المتفرّدة التي ينوي فرضها على رئيس الحكومة العتيد، والتي بالتأكيد لا تنسجم مع خط الرئيس الحريري ولا حلفائه ولا جمهوره، خاصة من ناحية إبقاء قرار السلم والحرب بعيداً عن الشرعية اللبنانية، وتطبيع العلاقات مع النظام السوري، والتنازل عن المحكمة الدولية، ناهيك عن بازار التأليف في حال تم التكليف.

إن صدمة جمهور المستقبل مريرة وبحاجة لخطوات عملية سريعة لمعالجتها، حتى لا يقع المحظور الذي دفع بالرئيس الحريري إلى هذه الانعطافة الجذرية، لتجنيب البلاد حرباً أهلية على الأبواب، إلا أن الأيام المقبلة ليست أقل خطورة في حال لم يتم استيعاب السخط الشعبي ومعالجة الهوّة بين القاعدة والقيادة، وإعادة جسور التواصل بين الجميع حتى يستحق العماد عون لقب الرئاسة، وليصدق في نواياه لإنقاذ الميثاقية وهيبة الدولة، فينجح بإعادة الأفرقاء إلى طاولة التحاور تحت سقف الجمهورية اللبنانية ويفرد مظلة الرئاسة فوق رؤوس الجميع، حتى لا يكون صيف وشتاء تحت سقف بعبدا بإمرته.