IMLebanon

ماذا بعد الغضب السعودي؟

لا تزال الأزمات تستفحل فصولاً في الوطن الصغير، وبعد فضيحة النفايات المُعيبة، والتي لا يزال اللبنانيون يدفعون أثمانها الباهظة من صحتهم أولاً وجيوبهم ثانياً، جاء حساب التقاعس اللبناني عن الوقوف وقفة وفاء كانت بديهية، إلى جانب المملكة العربية السعودية بعدما تعرّضت سفارتها للإعتداء من قِبَل البلد المُضيف، أي إيران. إلا أن وقوع حقيبة الخارجية في يد حليف حزب الله، سمح لهذا الفريق بالإستيلاء على القرار الرسمي اللبناني وتحويله إلى جهة لم ولن تمثّله قط!

وللفريق العوني الذي يحاول التملّص من قباحة هذا الذنب، إن البيان الوزاري الذي طالب بالنأي بلبنان عن أزمات المنطقة إنما كان يعني بالدرجة الأولى التدخّل السافر لحزب الله في الحرب السورية، لأن ارتداداته لا تزال تهزّ كيان الوطن المعذَّب، بل وتُنذر بزلازل أقوى. وبالتالي، لا يمكن أن يكون النأي بالنفس عن سوريا يعني التدخّل العسكري والنأي بالنفس عن الأزمة السعودية يمنع لبنان من تسجيل موقف سياسي ضمن الإجماع العربي، الذي ينصّ الدستور اللبناني على إبقاء الدولة تحت مظلّته.

إن سياسة الكيل بالمكيالين ليست بجديدة على فريق 8 آذار، ولطالما تحمّلها اللبنانيون على مضض، ولكن أن تعبث بلقمة عيشهم وتهدّد إستقرارهم الإقتصادي في الداخل ومصالح أبنائهم في دول الخليج فهو خطوة متمادية باختزال الدولة بأشخاص واستباحة القرار الرسمي بما يخدم مصالحهم، مهما تعارضت مع المصلحة الوطنية أو تناقضت مع المزاج اللبناني العام! ومن هنا تتبلور مسرحية الإنتخابات الرئاسية، والتي هي استحقاق معطَّل لأجل غير مسمّى بما أن الفراغ يخدم الفريق المُمسك بالقرار العسكري والمستولي على السياسة الخارجية، يغتنم فرصة الفراغ الرسمي والشلل المؤسساتي لينفّذ أجنداته الخاصة دون حسيب أو رقيب.

إن موقف السعودية والذي تضامنت معه دول الخليج، مفهوم تماماً، بعدما فتحت أبواب الأمل بمستقبل أفضل للشباب اللبناني اليائس، وفضّلته عن غيره لتستثمر طاقاته وفكره وتعوّض تقاعساً رسمياً فادحاً من الجانب المُستولي على السلطة عجز عن القيام بالخطط التنموية والسياسات الإقتصادية الكفيلة بالحفاظ على الطاقات الشبابية والكفاءات الفتية، كانت المكافأة للمملكة أن يمتنع لبنان، الشقيق الأصغر والأحبّ، عن تسجيل موقف سياسي متضامن معها إزاء الإعتداءات التي تتعرّض لها.

ولكن، ومن جهة أخرى، إن انسحاب الأشقاء العرب من لبنان ومقاطعتهم له إنما يعني إخلاء الساحة للمدّ الإيراني المنتشر في المنطقة، والذي سارعت إيران إلى اغتنام الفرصة عبر عرض تسليح للجيش اللبناني غير مشروط!. إن مواجهة هذا المدّ تكون عبر دعم الجبهة اللبنانية المتصدّية له وتعزيز العلاقات الأخوية، ولو كره الكارهون، والأهمّ تصويبها مع الجهات الرسمية وصولاً إلى تقويم مواقف الدولة وإعادة القرار إلى حيث ينتمي. أما الإنكفاء التام فهو يلقي بلبنان في الحضن الإيراني ويترك جمهوراً عريضاً عربي الهوى والإنتماء في مواجهة مدّ كاسح، لم يترك ترهيباً ولا ترغيباً إلا واستخدمه لفرض سياساته وتجنيد العناصر لخدمته.