مرحلةٌ جديدة واختبارٌ جديد تخضع له الساحة السياسية اللبنانية، إنها مرحلة اختبار الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله.
نقولُ مرحلةً جديدةً لأنه منذ بدء تاريخ الحوارات في لبنان، لم يقتصر الأمر على حوارات ثنائية، ولم يكن يؤدي إلى اتفاقاتٍ ثنائيةٍ، كانت هناك حوارات بين المسيحيين والمسلمين او بين قوى 14 آذار وقوى 8 آذار التي في كل طرف منها كل الطوائف والمذاهب. لم يحدث ان انعقد حوارٌ كالذي سينعقد خلال ايام، هو اختبارٌ أول منذ اربعين عاماً، لذا فإنه سينعقد تحت أنظار الجميع من دون استثناءٍ ليُعرَف إلى أين سيؤدي. بالتأكيد لن يبحث في بنود سنية – شيعية حصراً، بل في بنود وطنية تعمُّ جميع اللبنانيين، من انتخابات رئيس الجمهورية إلى قانون الانتخابات النيابية الجديد، إلى مقاربة الحرب الدائرة في سوريا وكيفية التعاطي معها، إلى كيفية سحب فتيل الاحتقان من الشارع، ولا سيما بين السنّة والشيعة.
هنا يسأل سائل: أين الطرف المسيحي من هذا الحوار؟
غائب، ولهذا الغياب أسبابهُ المتعددةُ، ولكن لا اسباب واحدة للجهتين: فالحليف المسيحي الابرز لتيار المستقبل، القوات اللبنانية، يُسهِّل ولو بشكلٍ غير مباشر أمر الحوار، حيث ان الدكتور سمير جعجع أعلن أكثر من مرة انه مستعد لسحب ترشيحه في حال تمَّ التفاهم على مرشحٍ توافقي لرئاسة الجمهورية.
في المقابل يبدو رئيس تكتل التغيير والإصلاح أكثر تشدداً في هذا المجال، حتى أن العماد ميشال عون علّق على الحوار المرتقب بالقول: إذا كانوا يريدون بحث ملف الرئاسة من دوني فليفعلوا.
في المحصِّلة سيكون الحوار على الشكل التالي:
سيتم التفاهم على إعلان مبادئ تُرفَع إلى القيادات العليا، أي إلى الرئيس سعد الحريري والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط لن يكونا بعيدَيْن عن بنود هذا التفاهم، اما الجانب المسيحي سواء أكان التيار الوطني الحر او القوات اللبنانية فسيكون لكلٍّ منهما موقفه المتباين عن الآخر.
هنا يُطرَح سؤالٌ آخر: لماذا هذا الأرتباك المسيحي الذي يؤدي إلى التهميش؟ الجواب سهلٌ جداً لأن كرة الرئاسة في ملعبهم، ألم يُعلِن الرئيس سعد الحريري، سواء في باريس أو في روما او في لبنان انه يسير بما يتوافق عليه المسيحيون والموارنة تحديداً؟ قبل الشغور الرئاسي وفي خلاله بقي الرئيس سعد الحريري صريحاً وصادقاً في طروحاته، لم يناوِر ولم يقل كلامَيْن: قال إنه سيشارك من خلال كتلته النيابيةِ في كل جلساتِ انتخاب الرئيس فوفى بوعده، قال إنه سيسيرُ بأي مرشح يتم التوافق عليه، فالتزم كلامه ولا يزال.
في هذه الحال يُفتَرض بالطرف الآخر ملاقاتهِ في منتصف الطريق، فيفتح أوراقه تماماً كما يفعل الرئيس الحريري، ويحدد ما يريد وما لا يريد، بحيث يُصار إلى جوجلة الأفكار والطروحات تمهيداً لإنضاجها.
ما لم يحصل هذا الأمر، فأن الامورَ ستبقى تراوح مكانها ليطول أمد الفراغ الذي يبدو أن اللبنانيين بدأوا بالاعتيادِ عليه.