IMLebanon

ماذا يحدث اذا أعلن  جعجع دعم عون للرئاسة ؟

ما من دولة تحترم نفسها وشعبها تقبل بأن تبقى دون انتخاب رئيس للجمهورية شهوراً كثيرة، والى أجل غير محدد. وهذا لا ينطبق على لبنان لأنه ليس دولة حديثة وعصرية وانما هو مجرد مزرعة بمنازل كثيرة! والتذرع بالتطورات الاقليمية والخارجية لتبرير عدم انتخاب الرئيس هو من نوع العذر الأقبح من الذنب… لأن الحقيقة هي أن النظام اللبناني الطائفي المتخلف هو الذي يمنع السياسيين من التوافق على انتخاب الرئيس، وذلك بتأثير ارتباطات زعماء الطوائف ب أسياد خارج الحدود. وهؤلاء الأسياد بمصالحهم المتضاربة هم الذين يمنعون تابعيهم من أن يكونوا أصحاب قرار حر ومستقل. ولو أجمع هؤلاء على رأي موحد لما تمكنت أية قوة خارجية من تعطيله…

***

أول شرط من شروط ايجاد حلول للأزمات هو مواجهتها لا الهرب منها. وعندما عجز السياسيون عن اشهار افلاسهم بانتخاب رئيس للجمهورية توصلوا الى فكرة ماكرة للهرب من مواجهة الأزمة لالقائها في أحضان المعنيين بها مباشرة من المسيحيين الموارنة، وقالوا: ليتفق المسيحيون على رئيس ونحن خلفهم! من هم هؤلاء المسيحيون؟ أول ما يذهب اليه الذهن هو مقام الصرح البطريركي. ولأن البطريركية محايدة، يكون المقصود هو الشخصيات الوازنة والمؤثرة في الطائفة المارونية الكريمة، والمتفق عليه شيوعاً أنها أربع: اثنان فرض كل منهما نفسه كزعامة باب أول وهما العماد ميشال عون، والدكتور سمير جعجع. واثنان آخران هما أيضاً من صنف زعامة باب أول، ولكن كل منهما ارتضى لنفسه أن يكون في المرتبة الثانية وهما الرئيس أمين الجميل والنائب سليمان فرنجية. وتضاف اليهم جميعاً شخصيات من التي يصح اعتبارها من زعامات فلتة الشوط…

***

لم يكن العماد عون زعيم التيار الوطني الحر، والدكتور سمير جعجع زعيم حزب القوات اللبنانية أقل حنكة وأكثر مكراً من الذين ألقوا كرة النار الرئاسية في حضنيهما، فبادرا الى اطلاق الحوار بين المؤسستين والزعامتين، ليثبتا أنهما ليسا أقل تحسساً بالمسؤولية الوطنية ممن سبقهما الى الحوار… وهذه البادرة أحدثت صدمة ايجابية في الوسط السياسي وبخاصة في المجتمع المسيحي، وبالأخص الماروني المتعطش الى مناخ تصالحي ووفاقي بين قادته، بعيداً عن التحديات والانقسام. غير أن ما يتوق اليه الوجدان الماروني والوطني معاً ليس مجرد اجراء حوار في الشكل، وانما في المضمون والنتائج، والنيات هي في صلبها وجوهرها.

***

يمكن لهاتين الزعامتين أن تتوصلا الى نتيجة ايجابية اذا تمكنت كل منهما من كبت الغرائز المتجذرة في النفوس، والتخفف من ترسبات الماضي ومن تنافر الكيمياء بينهما، وقياس الأمور بمقياس المصلحة السياسية والوطنية لكل منهما، ولطائفتهما بخاصة وللوطن بعامة. وترجيح المصلحة على الغريزة يحتاج الى قدر كبير من الذكاء السياسي والرؤية البعيدة والحكمة والبصيرة. ولنتصور ماذا يمكن أن يحدث اذا فجر الدكتور جعجع مفاجأة سياسية ذرية باعلان تأييده لترشيح العماد عون الى رئاسة الجمهورية! ما سيحدث هو:

ان الرأي العام المسيحي – الماروني سيفيض بتعاطف واسع جداً مع الدكتور جعجع، وسيعتبر أن الفضل يعود اليه بانهاء الانقسام الماروني، والخروج من المأزق الرئاسي.

بهذا يكون الدكتور جعجع قد نال صفة الناخب الماروني الرئاسي الأول، وهي الصفة المعروضة على العماد عون حالياً.

من الطبيعي أن يؤدي حوار يقود الى هذه النتيجة ويسفر عن اتفاق تكون فيه القوات في صدارة المشاركة في العهد الجديد…

الأهم من كل هذا وذاك أن الدكتور جعجع سيبقى خاضعاً الى فيتو من شريحة من اللبنانيين ضد وصوله الى الرئاسة، اذا استمر في موقعه الحالي المتصادم مع الآخرين. والعماد عون هو الشخصية الوحيدة القادرة على سحب هذا الفيتو والتخلي عنه اذا أعلن العماد عون في نهاية ولايته الرئاسية، دعمه لترشح الدكتور جعجع الى الرئاسة التالية… وأمام الدكتور جعجع متسع من الوقت للانتظار.