Site icon IMLebanon

ماذا يحدث في لبنان إذا نشأت الدولة العَلوية؟

إلى أيّ حدّ يمكن أن يذهب خيال اللبنانيين في توَقُّع السيناريوهات التي سيَشهدها لبنان في المرحلة اللاحقة لانهيار سوريا (ومعها العراق)؟ وهل تكون بينها سيناريوهات انقلابية؟

الطاقم السياسي اللبناني فئتان:

1- غالبيةٌ تعيش على ردّات الفعل، وتقودها الأحداث إلى حيث لا تدري، على رغم التحوّلات الإقليمية الجارفة للأنظمة والكيانات ومعادلات القوّة في الشرق الأوسط.

2- أقلّيةٌ تدرِك تماماً ما تفعَل. وهي تقود الفئة الأولى وتأخذها إلى حيث تريد، وتأخذ معها لبنانَ بكلّ مؤسساته. وهذه الفئة تشَكّل جزءاً من حركة المحاور الإقليمية. ولذلك، هي لا تُفاجَأ بالمصير الذي يَنحو إليه المستقبل اللبناني، بل هي سَبّاقة إلى حجز مكانِها فيه.

في التفاصيل، لا حاجةَ إلى التفكير مثلاً: في أيّ مِن الفئتين وقعَت حركة 14 آذار منذ 2005، وفي أيّ منهما «حزب الله».

في النزاع السوري، تلاشَت تماماً إمكانات العودة إلى سوريا السابقة: مستحيل أن يستعيدَها النظام كاملةً، ومستحيل أن يقبضَ عليها أيُّ فريق معارض. والسيناريو الأكثر احتمالاً في نظر السفير الأميركي السابق في دمشق روبرت فورد يقسِّم سوريا إلى 6 مناطق نفوذ على أسُس دينية ومذهبية وقومية وسياسية. وهذا واحد مِن سيناريوهات متقاربة باتت تتبنّاها غالبية الباحثين، وتتداولها المراجع الديبلوماسية المعنية.

ما يعني لبنان مباشرةً مِن تقسيم سوريا هو: أيّ قوى ستُمسِك بالمنطقة الحدودية مع لبنان:

أ‌- مِن مصَبّ النهر الكبير الجنوبي في عكّار إلى جرود الهرمل شرقاً.

ب‌- مِن جرود الهرمل حتى بقعة القلمون- جرود عرسال.

ج‌- من البقاع الغربي إلى راشيا – جبل الشيخ.

في المنطقة «أ»، واضحٌ أنّ النفوذ محسوم للعَلويين. ففي الساحل السوري وحمص وضَعت إيران كلّ ثقلِها العسكري. لكنّ الجهة اللبنانية من الحدود، أي عكّار، ليست خاضعةً لـ»حزب الله»، بل هي ذات غالبية سكّانية سنّية. ولن تكونَ سيطرته عليها أمراً سَهلاً، بل ستَنطوي على مغامرةٍ بإشعال حرب أهليّة لبنانية.

في المنطقة «ب»، يسَيطر النظام و»الحزب» من الجهة السورية، ولكنّ المعارضة السوريّة تَخرقها في القلمون. وفي الجهة اللبنانية أيضاً، يسَيطر «الحزب»، لكنّه يواجه مأزقَ الخرقِ عسكرياً في عرسال وجرود القلمون.

في المنطقة «ج»، يتنازَع النظام والمعارضة مناطقَ الحدود، ويَدخل الملف الدرزي على الخطّ، والعامل الإسرائيلي. وأمّا من الجهة اللبنانية فيحاول «حزب الله» تثبيتَ نفوذِه ومَدَّه إلى الداخل السوري مستفيداً مِن وصفِه «مقاومة».

ويَطمح المحور الإيراني إلى بناء منطقة نفوذ عَلوية – شيعية متماسكة، من الساحل السوري إلى حمص فدمشق فجبل الشيخ، أي في محاذاة المنطقة اللبنانية التي سيطرَ عليها «حزب الله». لكنّ تحقيق هذا الطموح يصطدم بعقبات في سوريا ولبنان.

ولكن، إذا كان وارداً حصول العَلويين والشيعة على هذه البقعة الحيوية من الجغرافيا السورية – اللبنانية، فإنّ ذلك لا يمكن أن يتمّ من دون حروب مريرة ستَستغرِق سنواتٍ على الأرجح، وتواكبها هجرات و»تجهيرات» دراماتيكية، تقابلها مثيلات لها، معاكسة، في مناطق أخرى، ضمنَ عمليةِ مقايضات كبرى.

في أيّ حال، حروب الجغرافيا والديموغرافيا دائرةٌ اليوم في سوريا، وتبدو في بداياتها. والمتغيّرات العسكرية، ثمّ الجغرافية والديموغرافية المحتملة، يَحتاج إنضاجُها إلى الكثير من الوقت والعَرق والدم في سوريا، وربّما في لبنان أيضاً. ولكن، قد يكون هناك إصرارٌ عليها، بغَطاء إقليمي إيراني، وتحريض إسرائيلي.

وربّما يكون هناك انزلاق تركيّ في تقسيمات سوريا. إذ تتوقّع تحليلات كثيرة اهتزازَ تركيا أيضاً في نهايات الحرب السوريّة. وفي معزل عن الملف الكردي، هل يكون عَلويّو تركيا ولواء الإسكندرون في منأى عن الدولة العَلوية الوليدة في سوريا؟

وأمّا في لبنان، فسيُترجِم «حزب الله» استمرارَه في دعم العَلويين بالسيطرة على المنطقة الحدودية بالكامل. وهنا يَظهَر السؤال الجوهري المتعلق بمصير لبنان، والذي لم يَعُد يتحمَّل تسويفاً وتمييعاً على الطريقة اللبنانية: ماذا سيَفعل اللبنانيون الآخرون، وماذا سيَبقى من لبنان إذا اقتَطعَ «حزب الله» أجزاءَ مِن شماله وشرقه وجنوبه ليستقلّ بها، كظهيرٍ للدولة العَلوية؟

سيواجه السُنَّة مأزقاً كيانياً، والمسيحيّون والدروز كذلك. وسيكون لبنان الحالي إمّا ساحةَ حروبٍ لا متناهية، لا يُعرَف فيها مَن يقاتل مَن ولماذا، كما هي الحروب السورية – العراقية، وإمّا مختبراً جديداً لإرادة التعايش الحرِّ والآمِن للجميع. وهناك صيَغٌ حضارية كثيرة لتحقيق هذا الهدف… إذا كانت الطوائف «حضارية» ولا تريد أن تأكلَ بعضُها بعضاً!

حتى الآن، أثبتَت الطوائف اللبنانية، ولا سيّما الأكثرية، أنّ لكلّ منها لبنانَها – الفندق الذي تقيمُ فيه أعراس المتعة… فيما عيونُها تشتهي شركاءَ آخرين، في فنادق أخرى.

فندق الطوائف باتَ اليوم على شفير الإفلاس. فهل تتنقلُ هذه الطوائف من الفندق إلى وطنٍ ما، أو إلى فندقٍ آخر تنتظر فيه «التَفليسة» الجديدة؟