Site icon IMLebanon

ما يحصل مع المسيحيين في الشرق مخطط له من الدول الكبرى؟

 

لا يبدو أنّ الداخل والخارج مهتمان بدعم حقوق المسيحيين لا في لبنان، ولا في دول الشرق الأوسط، رغم كلّ النداءات والدعوات للحفاظ على الوجود المسيحي فيه، انطلاقاً من كون المسيحيين ليسوا أقليات في الشرق بل هم موجودون فيه منذ أكثر من ألفي سنة، ووجودهم فيه مهمّ للغاية إذ لا وجود وقيمة للشرق من دون المسيحيين، ولا يمكن بالتالي تشريدهم وتهجيرهم وقتلهم، وإخلاء المنطقة منهم. فهل من يسمع ويستجيب؟

في الداخل يُطالب القادة المسيحيون شركاءهم في الوطن بالحفاظ على حقوق أبناء الديانة المسيحية، نظراً لأهمية وجودهم وبقائهم فيه من جهة، ونظراً للتحديات والتهديدات التي تواجههم من التنظيمات الإرهابية تحديداً والتي تريد القضاء على ديانتهم وإقامة «الدولة الإسلامية». والمؤسف في الأمر أنّ ثمّة دولاً عربية وإقليمية تدعم هذا التوجّه، وتسعى من أجل جعل دول الشرق لا سيما العراق ومصر وسوريا ولبنان والأردن خالية من المسيحيين.

وفي الخارج عُقدت مؤتمرات دولية عدّة عن المسيحيين وحقوقهم، وقامت في اليومين الماضيين تحرّكات ملموسة في المؤتمر الذي عُقد تحت عنوان «دعم المسيحيين في الشرق الأوسط» في العاصمة الأميركية واشنطن، الذي دعت اليه «جمعية الدفاع عن المسيحيين في الشرق»، وشارك فيه رئيس مجمع الكنائس الشرقية الكاردينال ليوناردو ساندري، ورؤساء الطوائف المسيحية في الشرق، وممثلون عن الأحزاب المسيحية اللبنانية، وحشد من المهتمين. وقد شدّدت خلاله الكلمات، لا سيما كلمة الكاردينال الماروني مار بشارة بطرس الراعي «على ضرورة اتخاذ المجتمع الدولي قرارات حاسمة وواضحة، وخطوات أكثر لحماية المسيحيين الذين يتعرّضون للقتل والتهجير على يدّ «داعش» والمنظمات الإرهابية».

ولكن هل فعلاً يعمل الجميع على حماية الوجود المسيحي وحقوق أبناء الديانة المسيحية؟ تساؤلات عدّة تُطرح حول هذا الموضوع، من دون التوصّل الى قرارات حاسمة، داخلياً وخارجياً تُطمئن المسيحيين حيث هم. ففي لبنان، يُطالب الوزراء المسيحيون، من مستقيلين ومقاطعين وغير مشاركين أساساً، في حكومة الرئيس تمّام سلام، على ما تقول أوساط مسيحية، احترام الميثاقية، والقبول بهم كشركاء في الوطن، فلا يسمعون سوى الوعود. في حين أنّ المطلوب عدم تهميشهم، وإشراكهم فعلاً في الحكم وعدم اخترالهم أو أخذ أدوارهم.

وما يحصل اليوم داخل الجلسات الحكومية وخارجها لا يدلّ أبداً على الإلتزام بهذه الأمور، ولهذا يجد المسيحيون أنّهم دائماً بحاجة الى المطالبة بحقوقهم المشروعة والدفاع عنها، كما يخشون أن يستولي الآخرون على مواقعهم الرسمية أو يعيّنون مسيحيين من فريقهم السياسي الخصم. رغم ذلك، لفتت الأوساط نفسها الى أنّ بعض القادة المسيحيين يقومون بحماية المواقع من الفئة الأولى، ويغضّون الطرف عن العديد من الوظائف الحكومية التي يفقدها أبناء طوائفهم، لحساب الطوائف الأخرى، فلا يعترضون ولا يُطالبون بإعادة الموظّف الى وظيفته.

فالقادة والمطارنة والكنيسة، مطالبون، على ما ذكرت الاوساط، ليس فقط بإحصاء الحالات التي يُظلم فيها الموظّفون من الديانة المسيحية، بل بتقديم الطعون واتخاذ الإجراءات اللازمة لاستعادة حقوقهم، ولا سيما أنّ الوجود المسيحي يجب أن يُحترم من أسفل الى رأس الهرم. أمّا تبادل المنافع بين قادة الطوائف، فغالباً ما لا يوصل أصحاب الحقّ الى استرداده بل الى تقاسم الحصص بين الكبار على حساب الصغار.

علماً أنّ الكنيسة تقوم بالكثير على هذا الصعيد، إذ تُحذّر وتنبّه وترعى كلّ موظّف «مظلوم»، على ما أضافت الاوساط وتنصحه بالإستمرار في وظيفته، مع تقديم طلب إحتجاج أو طعن لدى الدوائر المختصّة الى حين تبدّل المسؤول عنه الذي ألحق به الضرر. وفي ذلك حقوق مؤخّرة ومؤجّلة قد تجعل الموظّف ييأس فعلياً قبل استعادة حقّه المشروع، وقد يُنهي سنوات خدمته ضمن الغبن نفسه.

في المقابل، فإنّ ما يحصل للمسيحيين ككلّ، أكان في لبنان أو في دول الشرق، من قتل وتهجير وتشريد على يد «داعش» والتنظيمات الإرهابية، ليس أمراً طارئاً أو اعتباطياً، على ما شدّدت الأوساط ذاتها، بل هو منظّم ومخطّط له من الدول الكبرى وبعض الدول الإقليمية والعربية، مع الأسف. ورغم كلّ الإعتراضات من قبل رأس الكنيسة الكاثوليكية البابا فرنسيس على ما يحصل، فضلاً عن صرخات المطارنة الذين يعايشون هذه الحالة المزرية التي وصل اليها المسيحيون في كلّ من العراق وسوريا ولبنان وسواها، فإنّ المجتمع الدولي لا يتخذ أي قرارات حاسمة أو إجراءات مشدّدة بحقّ المتطرّفين الذين يريدون إخلاء منطقة الشرق الأوسط من المسيحيين.

في الوقت الذي تجد فيه الأوساط أنّه على المجتمع الدولي ردع الإرهابيين أينما كانوا، ووقف تمويلهم ومعاقبة كلّ دولة تمد لهم يد المساعدة على الصعيد العسكري أو غير ذلك، والسعي أيضاً الى وضع خطة وآلية لإعادة كلّ المسيحيين الذين هُجّروا الى بلادهم وتأمين الحماية لهم، لا سيما أنّ حقوقهم تدخل في باب الحفاظ على حقوق الإنسان، كما على حرية الفرد، وعلى إحلال الديموقراطية في كلّ دول العالم.

لكنّ المسيحيين المتجذّرين في هذه الأرض منذ أكثر من ألفي سنة، لن يتخلّوا عنها بسهولة رغم كلّ ما يلحق بهم من مخططات لتهجيرهم أو لإحباطهم. ورغم كلّ محاولات إرغامهم على مغادرة أراضيهم، فهم لم يفعلوا، على ما طمأنت، كونهم يعلمون أهمية وجودهم في هذه الأرض التي وُلد فيها السيّد المسيح، وهم لن يدعوها للمتطرّفين لكي يقيموا عليها دولتهم الإسلامية المفترضة.

كذلك فإنّ قوّة التنظيمات الإرهابية تضعف شيئاً فشيئاً، وقد تحمّل المسيحيون الكثير، لهذا يمكنهم أن يتحمّلوا بعد. كما أنّ فكرة التخلّص منهم لا يمكنها أن تتحقّق لأنّهم ليسوا أقليات، وإن كانت أعدادهم في دول الشرق الأوسط أقلّ من أعداد المواطنين الآخرين المتعايشين معهم من مختلف الطوائف.