Site icon IMLebanon

ماذا يضير جعجع استخدام حزب الله السلاح في وجه اسرائيل؟

لم يكن مستغربًا أن تعترض القوات اللبنانيّة بوزرائها على إدراج بند الثلاثية «الشعب والجيش والمقاومة» ضمن بيان الحكومة، فالاعتراض بحدّ ذاته منتم إلى سياق متكامل وراسخ في ادبيات القوات اللبنانيّة تجاه حزب الله، وبخاصّة حين تتمّ الإشارة في البيانات الحكومية إلى مسألة سلاحها بمعانيه وأبعاده. وتتجه بعض الأوساط في إضاءتها على موقف القوات اللبنانيّة إلى التفريق بين زمنين:

1-زمن سادت فيه عناصر وأحزاب منتمية إلى محور أميركيّ-خليجيّ من العراق إلى لبنان، قمّته تجلّت بلحظة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وقلبه القرار 1559، حاول هذا المحور الهيمنة على تفاصيل الحياة السياسيّة اللبنانيّة بمعاييرها وخلق معايير مختلفة، وجعل من سوريا أرضًا للصراع فيها وعليها لإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، واستهلك لبنان كمنصة لتحقيق هذا الهدف. وفي هذا الزمن كانت القوات اللبنانيّة في موقع المنسجم مع هذا المحور، وتجلّى الانسجام برؤية سياسيّة وعقائديّة استهلكت كل العبارات في التأكيد على مبدأ الاحتراب مع سوريا وحزب الله في لبنان.

2-زمن التحوّلات تجلّى بهزيمة المحور الأميركيّ-الخليجيّ-التركيّ، وغلبة المحور الروسيّ-الإيرانيّ-السوريّ، وفي جوف الغلبة برز حزب الله قوّةً إقليميّة وعربيّة وإسلاميّة حامية لسوريا ولبنان من إمكانية اقتحام التنظيمات والقوى التكفيريّة البوابة اللبنانيّة من ضمن منظومة الفوضى الخلاّقة، لو قدّر لذلك المحور أن ينتصر في سوريا ويسقط رئيسها كما اشتهى. وفي هذا الزمن ثمّة من يطرح على القوات اللبنانيّة سؤالاً هل تبقى النظرة العقيديّة بحلتها السياسيّة دوغمائيّة في تصلّبها، أوّ أنّ ثمّة حكمة تنحدر من اليوتوبيا إلى الواقعيّة فتمتصّها وتمضغها وتتعامل معها بصورة براغماتيّة حركيّة وإن اتخذت نحو منهج جدليّ. فالسياق المنطقيّ للأحداث يقول وبعد معركة حلب بأن المشرق العربيّ بات حوضًا لثنائيّة روسيّة-إيرانيّة، تتشارك في إرساء التوازن مع بدء الكلام في التسوية السياسيّة، وتطلّ منها نحو إرساء تسوية إقليميّة عربيّة تحسم الصراع العربيّ-الإسرائيليّ، وتستفيد من التبدّل في السياسية الأميركية تجاه إسرائيل وعدوانيتها.

لماذا التركيز في موقف القوات اللبنانيّة تجاه سلاح حزب الله؟ ثمّة علاقة جدليّة بين الفريقين مليئة بإرهاصات سلبيّة وصداميّة بالمعنى السياسيّ للكلمة، جوهرها عقيديّ في قراءة لبنان والمنطقة. وتظهر مصادر سياسيّة مواكبة لتطورات العلاقة، المعاني المتعنونة بمجموعة تراكمات من لبنان إلى المنطقة، وتنصح القوات بالدرجة الأولى وبشكل محبّ وبناء على ما قاله رئيسها الدكتور سمير جعجع حول توسيع التفاهمات باللجوء إلى خطاب جديد يماشي العهد الجديد في لبنان لكون القوات مساهمة مع الحزب بانبلاجه بلا لقاء، وفي الوقت نفسه، يماشي النتائج المنبعثة من المعارك في سوريا وعلى وجه التحديد من معركة حلب. وبرأي تلك المصادر، إنّ الخطاب الجديد بكلّ مضامينه يجب أن تقوم به القوات اللبنانيّة من خلال قراءة نقدية لواقع الأحداث ومسارها وما أفرزته وأنتجته، وضمن إزائية واضحة في النتائج بين النتيجة العامّة في سوريا، والنتيجة العامة في لبنان. وتطرح تلك المصادر سؤالاً صريحًا: ماذا يضير القوات اللبنانيّة  استخدام أيّ فريق السلاح بوجه إسرائيل في الجنوب، فكيف بمقاومة أرعبته وأجبرته على الخروج في لبنان، وأوصلت في سنة 2006 إلى صدور تقرير فينوغراد الشهير بعيد حرب إسرائيل على لبنان، يظهر مسؤولية إسرائيل في هذه الحرب؟ وفي الرؤية العقيديّة المسيحيّة، المسيحيون لا يزالون في عداوة كبيرة مع دولة ترفض وجودهم في المشرق وتعمل على طردهم لأنّ قوم عيسى يذكرونها بأنّها كحالة ثيوقراطية هي التي صلبت المسيح.

لا يشككنّ أحد بتوق الجميع لبناء دولة حقيقيّة لها نظامها وكيانها ومؤسساتها، ولا يشكنّ أحدّ بأنّ اللبنانيين بكل فئاتهم بضرورة أن يتولّى الجيش اللبنانيّ وحده ودون سواه، حماية اللبنانيين في الداخل وحماية الوطن من على الحدود، ويتذكر عدد كبير من اللبنانيين، بأنّه حين تمّ تطبيق اتفاق الطائف بإزالة سلاح المليشيات اللبنانيّة، في أوّل عهد الرئيس الياس الهرواي، علا صراخ كثيرين وهم على حقّ، «ما بالكم تسحبون سلاح الميليشيات اللبنانيّة، ولا تسحبون سلاح السلاح الفلسطينيّ في المخيمات ليصير أمنها تحت حماية الجيش اللبنانيّ وحده دون سواه؟»، جاء الصراخ في حينه معبّرًا عن دعم للقوى المسيحيّة، وقد تبيّن بأن سحب السلاح ترجم مهزوميّة المسيحيين وتمزّقهم وصولاً نحو إحباطهم في لبنان، وأظهرت النتائج بأنّ الأمن لا يزال هشًّا في ذلك الزمن.

قراءة بعض الأوساط والمصادر لاعتراض القوات على سلاح الحزب، رجع صدى لذلك الزمن في هذا المدى، وتتضمّن المعايير نفسها طبقتين واحدة أخلاقية وأخرى سياسيّة ضمن رؤية وطنية شاملة. وتعتقد تلك الأوساط والمصادر بأنّ تلك القراءة تصبّ لصالح القوات اللبنانيّة بصورة حصريّة، وبنفس محب وجوهر راق، وقد تبيّنت معالمها ومعاييرها من سؤال وجّه غير مرّة ليس فقط للقوات بل للبنانيين المعترضين على سلاح المقاومة، كيف يمكن وبأية معايير استراتيجيّة نزع سلاح حزب الله إذا رامت قوى سياسيّة إليه، في وقت يوجد سلاح فلسطينيّ في المخيمات وآخر سوريّ في المخيمات عينها أو في مخيمات أخرى في البقاع الشمالي وسواه؟ وتجيب تلك المصادر بأنّ سلاح المقاومة في لبنان في ترجمة سياسو-أمنيّة رسّخ ما سمي بتوازن الرعب مع سلاح المخيمات إلى جانب الجيش الببنانيّ، فلا تسوغ المطالبة من أي فريق كان بضبّ هذا السلاح ونزعه، قبل تسوية واقع السلاح الفلسطيني أو السوريّ في الداخل اللبنانيّ. إنّ هذا السلاح ارتبط بمفهوم الحرب الاستباقيّة كما وردت في خطاب القسم لرئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون، وجاءت في بيان الحكومة برئاسة سعد الحريري، ذلك أن الحرب الاستباقيّة حمى لبنان من نتائج الحرب في سورياـ وحمى سوريا من الاتجاه نحو التمزّق العميم، من هذه الوقائع بأنّ حزب الله، وبحسب أوساط عديدة أدّى قتاله في سوريا إلى شلل واضح في عمل القوى التكفيريّة ومنظماتها فيما هي كانت تتطلّع إلى لبنان لاقتحامه سواءً من البوابة الشمالية او البقاعيّة، ومن النتائج الاستراتيجيّة لمفهوم الحرب الاستباقية:

1-وجود الرئيس السوريّ بشار الأسد في سوريا على رأس الدولة، وبهويته العلمانية، وحتّى العلويّة، والحرب عليه لم تكن سوى من الزاوية المذهبيّة وليس من الزاوية الوطنيّة قادتها قطر والسعوديّة وتركيا، بتغطية أميركيّة تصبّ في تثمير الفوضى الخلاّقة في المنطقة بدءًا من تقسيم سوريا وهي المعتبرة قلب المشرق العربيّ.

2-انتخاب العماد ميشال عون رئيسًا للجمهوريّة اللبنانيّة كرئيس مسيحيّ ومارونيّ، المستند من ناحيّة إلى الخصوصيّة المسيحيّة المكنونة في ورقة إعلان النيّات بين التيار الوطنيّ الرّ والقوات اللبنانيّة، وترجم بما سمي بالإجماع المسيحيّ، وأوجدته من ناحية أخرى الفلسفة الميثاقيّة، المنبثّة من ورقة التفاهم بين التيار الوطنيّ الحرّ وحزب الله، ليتوسّع التفاهم من ضمن الفلسفة عينها نحو المكوّنات اللبنانيّة الأخرى، فساهم هذا التفاهم بهذا الانتخاب.

أمام ذلك، ترى تلك الأوساط خللاً واضحًا في التقييم والمقاربة عند الفريق القواتيّ في ربط العناوين ببعضها وجلبها إلى أرض الواقع المعيش، ودمجها بسياق منطقيّ واعد وجديد في العلاقة مع حزب الله. فمبدأ الحرب الاستباقيّة أدّى إلى ترسيخ التوزان وتكريسه، في وقت حاولت القوى والمنظمات التكفيريّة تجويف التوازن من معانيه المتكاملة وعناصره المترابطة كان الهدف منها أخذ المنطقة إلى معطيات كارثيّة انطلق جزء اساسيّ منها من تهجير المسيحيين من العراق وكاد أن يصبّ في سوريا ولبنان والمنطقة بأسرها. لقد قرأ الروس والإيرانيون ومعهم عدد من الدول، بأن انتخاب رئيس قويّ كالعماد ميشال عون وصمود الرئيس بشار الأسد حدثان كبيران متوازيان ومتوازنان يقودان المنطقة نحو تسوية سياسيّة، تحمي المسيحيين كما تحمي معهم كلّ المجموعات الأخرى. وسلاح حزب الله في واقع الأمور ساهم بتجذير هذه الرؤية وتثميرها. ويدرك العقل القواتيّ وأيضًا وبحسب المصادر بأنّ الثنائيّة الروسيّة-الإيرانيّة حالة محوريّة في حياة المنطقة الجديدة حائزة على اعتراف دوليّ بدءًا من اعتراف أميركيّ مع إدارة الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب. وكلّ المجموعات المنتصرة في الحرب ستكون أذرعًا لتوطيدها.

تفترض الواقعيّة السياسيّة من القوات اللبنانيّة ورئيسها الدكتور سمير جعجع، إجراء هذا التقييم الموضوعيّ الخالي من المآرب والأهواء، فلبنان ومع هذا العهد الجديد، يتمنى انتظامًا حقيقيًّا للقوى السياسيّة ضمنه، وبداءة الانتظام ليس نيل الحكومة برئاسة الرئيس سعد الحريري ثقة عارمة، بل حوار يبدأ بين حزب الله والقوات اللبنانيّة برئاسة الرئيس عون، كما هو بين الحزب وتيار المستقبل برئاسة الرئيس برّي. الحوار يعطي نكهة حيويّة لتسوية تنطلق من قانون انتخابات، وتريح الناس ويمنحهم السلام مع بدء سنة جديدة نرجو أن يضيء فجره لنلامس المسرّة ونحيا في الفرح.