تنظر غالبية من الأنظمة العربية الى واقعها بالمفرّق والتجزئة، فترى نفسها غارقة في مشاكل اليوم والساعة واللحظة. ولا تجد فسحة من الوقت لالقاء نظرة بانورامية من مطلّ أعلى، يتيح لها رؤية الصورة العامة الاقليمية، واشتباكها مع الشراك الدولية ولعبة الأمم! ولو أتيحت لأي نظام عربي حكمة الخلوة مع الذات، ومراجعة وقائع الحاضر والماضي، واجراء عملية نقد ذاتي، لاكتشف عندها حقائق مذهلة وصادمة! منها أولا، ان المشاكل والأزمات التي يغرق بها النظام انما هي من صنع المخرج العالمي الذي يضع السيناريوهات أيضا، ويسند الأدوار الى الممثلين الثانويين للمشاركة في المسرحية التي يجريها على مسرح المنطقة، ثم يغريهم بتوزيع جوائز أوسكار مزيّفة عليهم! ويفوت كل هؤلاء ان المسرحية هي مأساة اغريقية يموت فيها الجميع في النهاية بأبشع الصور من الوحشية، ولا يبقى سوى البطل الأصلي مصمّم اللعبة، والمتربع على عرش الكون… الإله الأميركي! ومعنى الإله هو كل ما يعبد حتى ولو كان صنما!
كيف يبدو المشهد العام الاقليمي والدولي، في هذه الآونة، اذا نظرنا اليه من مطلّ أعلى؟ الدول العربية التي كانت تمثل القوة العربية والنزوع الى الوحدة القومية، كلها مدمّرة مثل سوريا والعراق وليبيا، وكذلك من كان أقلّ منها شأنا مثل السودان والصومال. أو هي دول منهكة ومكبّلة بالقيود مثل مصر كبرى الشقيقات، التي كانت رمز النهوض والتحرر من أغلال الاستعمار والاحتلال في زمن عبد الناصر، وأصبحت اليوم تلهث وراء لقمة العيش، وأقصى طموحها هو الدفاع عن النفس! ودول الخليج العربية التي قدّمت مثالا متقدما، فأقامت دولة اتحادية من امارات مبعثرة، وأسست دولة الامارات العربية، وهو اتحاد قائم ومستمر في العصر الحديث. كذلك أقامت الدول الخليجية تعاونا وثيقا في ما بينها عبر انشاء مجلس التعاون الخليجي. واليوم فتحت الخاصرة الخليجية مرتين: مرة باشتعال نيران حرب اليمن، ومرة ثانية باندلاع الأزمة مع قطر العضو في المجلس!… خاصرة مفتوحة تستنزف الجميع!
انقلاب آخر حدث في المشهد الدولي، والرؤية الأميركية التي انتظرت هذه اللحظة للانهيار العربي والاسلامي والمشرقي العام، تستعد لتقريب ساعة القطاف، كما سنرى… والى الغد.