تظل حسنة إعلان إنشاء “المجلس الوطني لقوى 14 آذار” هي إعلان إنشائه وبعد ذلك “لكل حادث حديث”، وقد يكون رد فعل “حزب الله” مؤشراً إلى أهمية يكتسبها في عيون الخصوم. الأهمية العملية تبقى في أن يُنتخب بعد شهرين رئيس، أو أمين عام أو منسق لهذا المجلس ونائب له وأمناء للسر كما هو مقرر، وأن يطبق المجلس الشفافية المالية. سيعني هذان التطوران شرعية تمثيلية وقدرة على التحرك والتعبير بحد أدنى من الإستقلالية. إذا مرّ موعد 14 أيار من دون هذا الإنتخاب فيكون “ضربة سيف في الماء”.
فلننتظر، أعطوا وقتاً للوقت، انظروا إلى الجزء الملآن من الكوب: بعد عشر سنوات على انطلاقة قوى 14 آذار التي حملت اسم يوم مجيد حقاً ويثير أحلاماً رومنسية لدى قطاع واسع جداً من اللبنانيين، ها قد تحقق مطلب جزء كبير ممن شاركوا في صنع ذلك الحدث الإستثنائي في تاريخ لبنان، ليجدوا أنفسهم لاحقاً معزولين عن التأثير وحتى عن المجال لإبداء الرأي والإعتراض على “أخطاء وخطايا ارتكبناها”، وفقاً لما بات يتكرر في أدبيات قيادات “التحالف السيادي” إذا جاز التعبير.
إعلان إنشاء المجلس قوبل بارتياح في بعض الأوساط “الآذارية”، على أمل المزيد من خطوات تفعيل الجسم الشعبي الكبير والتفاعل معه ومع قضاياه وهمومه ، وبعدم مبالاة في أوساط أخرى بفعل يأس متراكم من الأداء السياسي للقوى التي لا تتحمل المسؤولية كاملة عما آلت إليه الأحوال لأن الوضع في ذاته صعب في المنطقة ولبنان من ضمنها، وباستياء تتعدد أسبابه لدى بعض الناشطين والشخصيات، كلُ لأسبابه الذاتية، الشكلية أو الجوهرية. لكن الولادة لم تمر من دون مخاض عسير. كان يجب أن تتحقق فكرة إنشاء “المجلس الوطني” عند طرحها بإلحاح سنة 2011، لكن موقف بعض الأحزاب منها أنهاها في المهد آنذاك. كثيرون غادروا النشاط السياسي والوطني عموماً إلى شؤونهم الخاصة منذ تلك الحقبة. وموقف الأحزاب المعترضة عبّر عنه أحد قادتها الأبرز في مقابلة إعلامية أخيراً إذ قال إن البنى الأساسية لقوى 14 آذار هي الأحزاب و”شو بدنا بالباقي؟”. قيادي في حزب آخر اعترض آنذاك سائلاً هل يبقى المستقلون مستقلين إذا جرى تأطيرهم وتنظيمهم؟ ألا يتحوّلون حزباً بدورهم ينافس الأحزاب؟
تستحق الذكر هنا رواية منقولة عن الرئيس الراحل بشير الجميّل، عندما كان قائداً لميليشيا “القوات اللبنانية”، أنه كان ينتفض عند سماعه ببيان أو موقف لـ”تجمع النواب الموارنة المستقلين”، وفي مرحلة سباق إلى استحقاق رئاسة الجمهورية مطلع الثمانينيات، كان يسميهم بـ”المستقلين عن لبنان”. في ذهنية الحزبيين المتشددين سؤال يطرح نفسه تلقاءً ودوماً عند تناول موضوع اللامنتمين حزبياً: إذا حصل فعلاً وكان في المجتمع أناس مثقفون وواعون ويرغبون في المساهمة في المعركة الوطنية وخوض الشأن العام، فلماذا لم ينتسبوا بعد إلى حزبنا؟ سؤال يرد بنفسه على معضلة تواجهها أحزاب لا تزال تعمل على نمط قديم وتتساءل عن سبب الإحجام عن الإنتساب إليها، حتى في مناطق نفوذها شبه التام. في حين تقتصر دوافع غالبية المنخرطين إليها على مصلحية، أو روح تحزبية منتشرة في القرى بين أناس يضيقون ذرعاً بحرياتهم فيهدونها إلى قائد كلهم يفكر ويتخذ القرار عنهم.
لهذه الأسباب وغيرها لما كان مرّ في “البيال” إعلان إنشاء “المجلس الوطني” لولا تأييد قوي للفكرة أبداه أساساً “تيار المستقبل” ورئيسه سعد الحريري في شكل خاص. تقول معلومات إنه نزل عند إلحاح السيدين سمير فرنجية وفارس سعيد على تقديم شيء ما إلى “ناس 14 آذار” في الذكرى العاشرة إلى جانب “الكلمات الكلمات الكلمات”. جارى الآخرون الفكرة بعدما صارت أمراً واقعاً، والأرجح على مضض ومن دون اقتناع كبير، وقدم كلٌ منهم جماعة من محازبيه والأصدقاء لعضوية اللجنة التحضيرية المكلفة بوضع النظام الداخلي، وفي شكل أو آخر “صودف” بعد تشطيب أسماء وإضافات أن الحزبيين شكلوا غالبية مريحة فيها. يُفترض بعد ذلك أن يعمل هؤلاء بنشاط لتهميش دور هذا “المجلس الوطني” وتصغيره من أجل تحويله “هايد بارك”، يمكن فيه لبعض الأصوات أن “تزقزق” بأصوات نشاز، في أفضل الأحوال.