كان ينقص الأمين العام لقوى 14 آذار، الدكتور فارس سعيد، أن يدعو جمهور انتفاضة الاستقلال الى الانتفاضة مجدداً، تحديداً في وجه الأحزاب التي تنطحت لتولي قيادته بعناوين بلا برنامج، فوثق بها رغم ذلك، بلا تردد. لم يكن خافيا أن الانفصال جلي بين جمهور الحركة الاستقلالية الثانية وبين القيادات الحزبية. فهذا الجمهور كان ينتظر أن تتحول عناوين يوم 14 آذار 2005 إلى برنامج عمل استراتيجي، توضع لتطبيقه منهجية تحرك، تترجمها مكاتب تنفيذية، يديرها متطوعون سياسيون لا تنقصهم الحماسة لإنقاذ الوطن، وللدفع بالدولة اللبنانية إلى تولي سيادتها بنفسها.
لم يكن للقيادات الحزبية السياسية في يوم الانتفاضة، دور مختلف عن دور جمهورها، وهو رسم الطريق إلى لبنان بلا تبعية، ولا وصاية، لكنه تأتى من موقع رد الفعل، لا الفعل، من مسلسل الاغتيالات المتمادي، الى 7 أيار 2008، وخطابات أمين عام الحزب المتعالية والفوقية الاستفزازية. لم تقدم هذه القيادة الجماعية “المفترضة“، استراتيجية عمل، وأعلت حساباتها السياسية الفئوية، كمعطى لا يجيب عن سؤال جمهور 14 آذار العريض: ما العمل؟
لم يسحب نظام الوصاية عسكره، بالكامل حرصاً على سلامة لبنان، بل أملا في نشر فوضى تُدخل البلاد في حرب أهلية جديدة، تجنبتها “14 آذار” بحكمة، ودفعت ثمنها الشهداء، من مواطنين (نكاد ننساهم) وسياسيين، لكنها هادنت “المفوض السامي الإيراني – السوري“، من دون “استنباط” نمط مواجهة مجدٍ، بل نهج استيعاب كتجريب “الحلف الرباعي“، و“السين– سين“، ثم “اتفاق الدوحة” وطاولات الحوار، وحكومات التسويات اللحظوية. كان يمكن لكل ذلك أن يكون مجديا لو اندرج في منهجية متكاملة، وليس كبنود لا ينتظمها منطق سياسي.
ما قاله فارس سعيد يفضي إلى ما لم يقله: ليست الأمانة العامة لقوى 14 آذار ستاراً لأحزاب، لا سيما من يغرق منها، عند أول امتحان، في تكتيكاته الفئوية، ومصالحه الانتخابية والسياسية: الأمانة العامة هي عنوان لـ 14 آذار الشعبية التي هجر أهلها جحور الطائفية والمذهبية والعشائرية، يوم اغتال نظام الوصاية الشهيد رفيق الحريري واكتشفوا ان مهادنته بلا جدوى.
لم تقدم الأمانة العامة، بمشهديتها السابقة، أي تجديد في عملها، لأنها سقطت في براثن الأحزاب والتسويات، فظل جمهورها في موقع المتفرج عليها، فزاد بعده عنها، وأبعدت في الانعزال عنه، الى حد إجهاض “المجلس الوطني للمستقلين“.
آن الأوان لعودة 14 آذار لأهلها، وحان للمستغضبين عليها، أن يوقفوا “النق” واللوم والعتب، ويقتحموا الأمانة العامة، ليس لتسجيل الأخطاء، بل لفتح آفاق التقدم.
ليس في ذلك دعوة الى حرب داخلية، لكن المهادنة تصبح استسلاماً لواقع، وتسليماً به، إن لم تكن في إطار استراتيجية واضحة، تتخطى انتخاب رئيس للجمهورية، إلى التصدي في كل المجالات. بالصوت الصارخ، على الأقل.