ما بعد اعتداء القنيطرة غير ما قبلها، والعملية النوعية التي جاءت رداً عليه في مزارع شبعا، أسّست على ما يبدو لجبهة ستمنع اسرائيل من اقامة حزام أمني يمتدّ من درعا الى شبعا، وتفتح الباب لتحرير المزارع المحتلة.
كشف خطاب الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله في تكريم الشهداء الذين سقطوا في اعتداء القنيطرة كم كان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو موغلاً في التقديرات الخاطئة حين اعتقد انه قادر على تحقيق «انتصار نظيف» يعطيه دفعة قوية في الانتخابات الاسرائيلية، خصوصاً بعد الدور الذي ابتدعه لنفسه إثر عملية «شارلي ايبدو» الباريسية والتظاهرة التي أصرّ على تصدّرها في إحراج تاريخي للحكومة الفرنسية وحلفائه الغربيين.
فقد أكّد السيد نصرالله في خطابه، الذي قيل إنه اختار يوم الجمعة توقيتاً له ليكون بين يديه إنجاز يمكن ان يقدمه لجمهوره المتلهّف الى ردّ على اعتداء القنيطرة، انّه كان يضع في الحسبان ايضاً احتمال ان ينفّذ حزب الله عملية ضد الاسرائيليين، فيقوم الاسرائيليون بالردّ فيأتي الخطاب في قلب المواجهة.
لكنّ الاوساط المحيطة بحزب الله كانت ترجّح عجز إسرائيل عن الرد لأسباب، بعضها متّصِل بالميدان نفسه، وبعضها الآخر متّصِل بالوضع الدولي لنتنياهو، خصوصاً في ضوء تأزّم علاقته بالرئاسة الاميركية التي تتهمه مع عدد من أركان الكونغرس الاميركي بتجاوز موقعها في تحديد موعد لزيارة هذا الكونغرس من دون عِلم الرئيس باراك أوباما.
في كل الحالات اعتبر كثيرون انّ خطاب السيد نصرالله كان العملية النوعية الثانية ضد اسرائيل خلال 48 ساعة، خصوصاً لجهة التحذيرات البالغة الخطورة التي أطلقها نصرالله من انه غير ملتزم بعد الآن قواعد الاشتباك، وانّ من حقه الرد في أيّ مكان وزمان يرتئيه مقاتلو حزب الله.
ولقد كان واضحاً حرص نصرالله في خطابه على تطمين شرائح وقطاعات واسعة من اللبنانيين وغير اللبنانيين الى أنه وإخوانه في الحزب ليسوا من هواة الحروب وأنهم حين يدخلونها إنما يكونون مضطرّين للدفاع عن أرضهم وكرامتهم.
بعض المراقبين رأى في هذه التحذيرات ما هو اكثر من أمر عمليات سينفذه مقاتلو الحزب هنا او هناك، بل انه تحذير مفتوح على احتمالات تطوير العلاقة بين الحزب وحلفائه في سوريا وايران الى مستوى جبهة مواجهة ممتدة من الناقورة الى طهران، وهي جبهة مرشحة لا للمواجهة الدفاعية فحسب، بل ربما لتحرير القدس ذاتها، وهو ما ظهر جلياً في العبارة التي زَيّن بها حزب الله ملصق صوَر شهدائه الستة ومعهم الجنرال في الحرس الثوري الايراني علي الله دادي قائلاً: «شهداء الطريق الى القدس»، لا بل لا يستبعد المراقبون ايضاً ان تكون عملية شبعا الثانية هي خطوة جديدة على طريق تحرير مزارع شبعا نفسها، وكذلك على طريق محاصرة مشروع الحزام الامني الذي تسعى إسرائيل الى بنائه على جبهة الجولان ليصِل الى مزارع شبعا نفسها.
وبهذا المعنى، ما لم يقله السيد نصرالله في الخطاب، هو اكثر خطورة ممّا قاله على رغم خطورته. فالسيّد قال للإسرائيليين: «اذا كنتم عبر عملية القنيطرة تريدون أن تمتحنوا جهوزيتنا وتختبروا قدراتنا، فها هو حزب الله يخيّب كل آمالكم ويظهر انّ وجوده في قلب النزاع في سوريا قد زاده قدرة وخبرة».
ويذكر المراقبون هنا انّ الاسرائيليين بعد نجاحهم في إشعال الحرب اللبنانية وتغذيتها على مدى سنوات ثم الدخول مباشرة على خطها عام 1978 وصولاً الى بيروت العاصمة عام 1982 وقد جعلوا لبنان مُنهكاً، وساقطاً بالمعنى الاستراتيجي، فإذ باللبنانيين مع إخوانهم السوريين والفلسطينيين يطلقون مقاومة من قلب الركام لم تحرر الجنوب فقط وتردع العدوان، بل مقاومة تغيّر المعادلات في المنطقة والاقليم برمّته.
في اختصار، أراد السيد نصرالله أن يقول إنّ ما بعد القنيطرة غير ما قبلها، وانّ البيان الرقم 1 الذي أصدرته «مجموعة شهداء القنيطرة» ستتلوه بيانات أخرى في حال أصرّت اسرائيل على المضيّ في حماقات تتكرر في الجبهات كلها.