لم يكن سهلاً على “تيار المستقبل” اتخاذ قرار تعليق عضوية نائب عكار السنّي خالد الضاهر فيه جرّاء الضجّة التي أثارها تصريحه المستفزّ للمسيحيين بل للبنانيين المؤمنين بالاعتدال، عندما كان يرابط مع عدد من المشايخ والناشطين الإسلاميين في ساحة النور الطرابلسية، بغية منع القوى الأمنية من إزالة كلمة الله صاحب الجلالة من وسطها. فسنّة طرابلس، وهم غالبية أبنائها، لا يختلفون في مشاعرهم عن معظم أهل السنّة في لبنان من حيث كره نظام الأسد في سوريا، وتأييد الثورة عليه. وأسباب سلبية الشعور المذكور وطنية لبنانية، من جهة، بسبب أدواره المتنوعة والمتتابعة في حروب لبنان. وأسبابه مذهبية، من جهة ثانية، جرّاء دوره في تهميش السنّة بعد نجاحه في إلحاق الهزيمة بالمسيحيين بمساعدة كل المسلمين، وفي جعل كلمة الشيعة الأولى في لبنان بعد كلمته طبعاً، ثم بعد كلمة إيران. علماً أنه استعمل لذلك قضية فلسطين التي هزم شيعة لبنان مغتصبها الاسرائيلي. وأسبابه مسؤوليته (أي النظام السوري)، وإن غير مثبّتة قانوناً حتى الآن، مباشرة أو مداورة عن جرائم كثيرة مهمة في لبنان، أبرزها قتل الرئيس رفيق الحريري الذي رأى فيه أهل السنّة أملهم في استعادة موقع ريادي في البلاد. كما رأى فيه لبنانيون آخرون أملاً في إعادة بناء لبنان وتخليصه من سوريا الأسد. علماً أن نسبة هؤلاء كانت تخفّ أو تكبر تبعاً لتطورات الداخل ومداخلات الخارج ولحركة الغرائز. وأسبابه، من جهة ثالثة، كانت مصلحية. فـ”المستقبل” كان التيار السياسي الأكثر تمثيلاً لأهل السنّة. وبعد اندلاع ثورة سوريا وتورّط لبنان “بشقّيه” المسلميْن، وبروز الإسلاميين قادة لها، سواء كانوا متشدِّدين أو عنفيّين حتى التكفير ورفض كل آخر، بدأ إسلاميو لبنان العريقون، وفي مقدمهم “الاخوان المسلمون”، والأقل عراقة، كما الذين أفرزتهم جهات اقليمية عدة متناقضة، يشاركون “المستقبل”، وربما غصباً عنه، قيادة الشارع السنّي اللبناني. ورغم أن شعبيتهم كانت أقل وبكثير إلا أن نشاطهم وتعبئتهم واستعدادهم للقيام بأي عمل، فضلاً عن جمود “المستقبليين” وتقاعسهم، جعل الناس يحسبون حسابهم، فظهروا على أنهم قادة الشارع السنّي ليس في طرابلس فقط بل في لبنان كله. أثار ذلك خوف “المستقبل” المعتدل من القضم الإسلامي له، فاندفع إلى المسايرة. علماً أن هناك سبباً آخر لذلك هو المزيج الذي لا يمكن فصل مكوناته، والذي يجعل المسلمين عموماً، ومنهم السنّة، عاجزين عن المواجهة الشاملة للتطرُّف رغم عدم موافقتهم على أعماله و”إنجازاته”.
هذه الأسباب كلها جعلت من غالبية سنّة لبنان بيئة متعاطفة، لكن غير حاضنة، مع كل مقاتل للنظام السوري وحليفه الإيراني في سوريا وخارجها. أما البيئة الحاضنة فنسبتها ضئيلة. لكن فاعليتها وقدرتها على جرّ الغالبية مهمتان.
لذلك، حسناً فعل “المستقبل” بتعليق عضوية النائب خالد الضاهر رغم تراجعه غير المقنع بعد يوم على استفزازه المسيحيين الذي أظهر ربما موقفاً سلبياً كامناً من المسيحيين عنده عند كثيرين غيره في الطوائف والمذاهب كلها. ما كان يريد إظهاره لو لم يكن إنفعالياً بطبعه. لكن ذلك لا يكفي. فان النائب الضاهر والذين يفكِّرون مثله، ومنهم مَن صدرت مذكرات توقيف أو جلب للاستجواب في حقهم، يزورون في انتظام السعودية حليفة “المستقبل” بل راعيته والمشاركة في الحرب ضد الإرهاب، والداعمة صيغة التعايش في لبنان. وبعضهم يقيم فيها. وعليه تبعاً لذلك التشاور مع المملكة بغية الانتهاء من الازدواجية في المواقف بين المُعلن والمُضمر داخلاً وخارجاً. وهي ازدواجية موجودة عند المسلمين. كما عليه استعادة جمهوره الذي صارت تشاركه فيه جهات عدة. وهذا كان حصل أيام الرئيس الراحل عبد الناصر سواء في أثناء حرب لبنان أو خلالها، وايام سيطرة الراحل ياسر عرفات على لبنان. إذ كانت الشعبية اللبنانية لكل منهما، وخصوصاً المسلمة وتحديداً السنّية، تضم كل الحركات والأحزاب المتقاتلة في ما بينها أو المتنافسة. فهل يفعل؟ وهل تعي السعودية الدور الذي يجب أن تقوم به على هذا الصعيد؟
في النهاية يعيش لبنان صراعاً سياسياً سنّياً – شيعياً نحن ضده. ونجا من محاولة فاشلة لجعل الصراع سنّياً – سنّياً. فهل يُشعِل النائب الضاهر والذين مثله حرباً سنّية – مسيحية تفيد “أعداءهم”؟