IMLebanon

ماذا تخفي واشنطن وراء معارضتها حوار بري؟

خلافا للتطورات المتسارعة التي تحكمت بايقاع الايام الماضية سياسيا عبر حوار رئيس مجلس النواب الموعود، وميدانيا عبر حراك الشارع الاحتجاجي المتفلت من الضوابط، سادت حالة من الهدوء النسبي على الساحة الداخلية فرضتها، محاولة منظمي الحراك الشعبي التقاط انفاسهم قبل العودة الى الشارع، تاركين المجال امام التظاهرة السياسية للتيار الوطني الحر، فيما يدرس الرئيس سعد الحريري جدياً العودة الى بيروت قبل جلسة الحوار، إذ إن وجوده لا بد أن يعطي للحوار صدقية وفاعلية سياسيةعلى حد قول مصادر في تيار المستقبل، كما سيعيد التماسك الى قواعد تياره المهتزة على وقع الشارع المتحرك.

مصادر مقربة من عين التينة،اشارت الى اعتبار الرئيس دعوته الحوارية بمثابة فرصة للتهدئة وللتفكير في كيفية معالجة الأزمات المتراكمة والمستعصية على الحل ، واملا في الوصول الى خارطة طريق وتفاهمات عبر سلة واحدة، من خلال حوار قد لا يوصل بالضرورة الى حلول سريعة وفورية، لان المطلوب تبادل النيات الحسنة والإشارة الى مكامن الخطأ وكيفية تصحيح الشوائب في المرحلة السابقة كما في المرحلة اللاحقة، بين مختلف الافرقاء، مع ادراكه المسبق بان هناك من يسعى الى تصفية حسابات ووضع شروط وطلب ضمانات ، كاشفة ان ما يطرحه الرئيس بري هو قيام تبادل للأفكار من دون رفض لعملية شرح وجهات النظر لأي سبب كان، متوقعة ان تكون ردات الفعل على هذه المبادرة الحوارية ايجابية على الصعيدين الداخلي والخارجي، لا سيما الدول المهتمة بالشأن المحلي.

فتحركات الارض التي دخل على خطها مجلس الامن الدولي الذي بحث في المستجدات بلبنان ـ ترجمها السفير الأميركي، بحسب اجواء السراي، بعدم اخفائه ، بعد لقائه سلام، تناول مباحثاته التحديات التي تواجه الحكومة، في ظل استمرار تظاهرات المجتمع المدني ، التي تتفق مع الأجندة الأميركية لجهة شعاراتها ومطالبها، رغم أن أولوية واشنطن الحالية تتجسد في ما طالب به مجلس الأمن الدولي لجهة إجتماع مجلس النواب وانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وأن الأولوية الثانية تتعلق بتوفير ما يلزم من دعم للجيش اللبناني والأجهزة الأمنية، أما الأولوية الثالثة فتتعلق بحماية لبنان من تهديد المتطرّفين، ملاحظة أن الولايات المتحدة وبحسب مطلعين على السياسة الاميركية لا تعتبر أن الحوار حول جملة مواضيع هو المطلوب اليوم، بل تهيئة الأجواء لانتخاب الرئيس وحماية الاستقرار ومحاربة الإرهاب.

وتكشف مصادر متابعة بإن عدم الاتفاق على بند رئاسة الجمهورية أو أي بند آخر من البنود الحوارية سيدفع المتحاورين لتركه جانبا والبحث في البنود الأخرى، ولا سيما منها بند قانون الإنتخابات النيابية الذي إذا حصل الاتفاق عليه ربما يغير في الأولويات، بحيث تحتل الإنتخابات النيابية الأولوية لتحل بعدها أولوية إنتخاب رئيس الجمهورية الجديد، دون ان تستبعد حصول إتفاق على بند عمل الحكومة، إذ يشير إلى أن الأفكار التي طرحت في شأن آلية اتخاذ القرارات في مجلس الوزراء تم التوافق عليها بغالبيتها، لكنها تحتاج إلى بعض الاستكمال من خلال التوصل إلى اتفاق على موضوع التعيينات العسكرية والأمنية الذي كان السبب بما حل بالوضع الحكومي، وتحديدا لجهة تمديد تسريح مجموعة من الضباط من بينهم العميد شامل روكز الذي يقترح رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون تعيينه قائدا للجيش.

من جهتها استغربت اوساط في المستقبل و14 آذار اصرار«التيار الوطني الحر» على وضع نفسه بمواجهة الحراك الشعبي المستمر، قارئة في التحرك البرتقالي الذي تشهده الساحة ، ان العماد عون يحاول استعادة المبادرة في الشارع، من خلال اظهار حجمه الشعبي الفعلي بعد المشاركة الضعيفة التي طبعت تحركاته السابقة، وبعد جملة تحركات المجتمع المدني التي نجحت في حشد ما حشدته من جموع ممتعضة من أداء السلطة، من جهة، ولتعزيز موقعه التفاوضي الى طاولة الحوار التي تلتئم بعد ايام ، من جهة ثانية، خاصة انها ستبحث الانتخابات الرئاسية، حيث عليه ان يثبت نفسه كمرشح قوي على الساحة المسيحية، بعد تحييده القوات اللبنانية ، ومع انسحابه من رئاسة التيار، وما رافقه من تداعيات. فالمرحلة الحالية تتطلب اظهار حجم «التيار» على الارض، ذلك ان حجم التجاوب مع الدعوة «العونية»، سيشكل استفتاء شعبيا على المطالب التي ينادي بها الجنرال وأولها الانتخابات الرئاسية من الشعب، او اجراء انتخابات نيابية سريعا وفق القانون النسبي، معتبرة ان تظاهرة «الحر» لن تؤثر في مجرى الأحداث، باعتبار ان التشابك الداخلي هو من التعقيد، بحيث يجعل هامش التأثير محدوداً جدّاً، لتتحول التظاهرات على اختلافها إلى ما يشبه الكرنفال السياسي، أما الحوار فهو إلى الحلقة المفرغة.

وفيما تقول المعلومات ان المرحلة الحالية خطيرة للغاية، وبأنها الأشد خطراً في التاريخ الحديث، رغم غياب المعلومات عن الخطوات المقبلة للتحركات و شكلها، مشيرا الى ان هذا الحراك «المريب» لا يتحرك من تلقاء نفسه بل هناك جهات «ثورجية» تحركه وتشرع له الدخول الى مؤسسات الدولة، متخوفا من التظاهرات التي ستشهدها بيروت في التاسع من ايلول بالتزامن مع انعقاد جلسة الحوار في مجلس النواب،حيث استحدثت حواجز معدنية ضخمة وسط الطرق المؤدية الى ساحة النجمة، بالاضافة الى اجراءات امنية مشددة حول الوزارات، ما يسمح بالاعتقاد ان ظاهرة الحراك الشعبي مرشحة للتصعيد، مؤكدا ان التحصينات المقامة على مداخل الطرق المؤدية الى مجلس النواب تعكس حذر رئيس المجلس من اقتحام المتظاهرين لمبنى البرلمان، كما حصل في وزارة البيئة، وتحسبا لاعتصام مقرون بالاصرار على عدم مغادرة المجلس قبل انتخاب النواب رئيسا للجمهورية كما ان جميع المقرات الرسمية تشهد تحصينات كبرى، كما علم ان وزارة الداخلية تعد خطة لتحديد اماكن التجمعات بعيدا عن المجلس خوفا من عمليات شغب قد تؤدي الى انفلات الامور.

في انتظار الموجة الثانية من الشارع في التاسع من ايلول، اسئلة كثيرة قلقة تطرح ولم تجد حتى الساعة اجابات تطمئن الناس أو اقله ترسم لهم صورة واضحة لما يعد للبنان أمنيا ومؤسساتيا .فالحراك المتنوع في الشارع لم يوحد عناوينه ولم يطرح مشروعا يبنى عليه، في مقابل طبقة حاكمة قلقة هي الأخرى ،من حوار تعتبره تعبئة سلبية للوقت الثمين الضائع ، فيما وحده العماد يدرك ما يفعل.