على مدى نحو اسبوع كان للوكيل العام للمرجع الشيعي الاعلى في النجف السيد علي السيستاني مروحة واسعة من لقاءات وزيارات في بيروت وبعض المناطق تحت اضواء اعلامية ساطعة .
الواضح ان الزائر المقيم اصلا في باريس حرص في كل محطات جولته على الامتناع عن اطلاق اي كلام سياسي او ديني يفصح عن توجهات او رؤى تعبر عن توجهات المرجع الابرز في مقر الحوزة الدينية الشيعية العليا والتاريخية في محيط مرقد الامام علي في النجف او تعطي الزيارة بعدا معينا ولكن ذلك على اهميته لم يحل دون تقصي جهات معينة داخلية وخارجية عن خفايا تنطوي عليها هذه الزيارة خصوصا ان ثمة ما يرتبط بها او يبنى عليها .
لم يعلم تاريخيا ان لمرجعية النجف اصلا وكيلا عاما في الخارج خصوصا اذا كانت سبل التواصل مع المرجعية نفسها متوافرة مباشرة كما هي الحال منذ اكثر من عشرة اعوام اي منذ سقوط نظام صدام حسين والتحولات الجذرية التي اباحت الحرية الكاملة لهذه المرجعية او عبر وكلاء . ولم يعلم ايضا ان المرجعية توفد وكيلا عاما للقيام بما يسمى “زيارة راعوية” على غرار ما هو مستخدم في التراث الكنسي خصوصا ان للمرجعية العليا في النجف ولباقي المراجع الكبار اكثر من وكيل شرعي في لبنان وفي الاقطار الاخرى يحمل ما يسمى بالاجازة الشرعية التي تثبت انه ثقة المرجع وتبيح له التصرف بالاموال الشرعية وباطلاق الفتوى والاحكام الشرعية ردا على استفتاءات والشيخ عبد الامير قبلان هو احد هؤلاء الوكلاء . فضلا عن ان للمرجعية مقرا ثابتا في مجمع الامام الصادق على طريق المطار القديم وهو مجمع انجز بناؤه منذ نحو ثمانية اعوام على طراز معماري مميز جعلته اقرب مايكون الى قصر منه الى مجمع ويديره مدير عراقي يحمل الجنسية اللبنانية ويمت بصلة النسب الى السيد الشهرستاني .
وبناء على كل هذه المعطيات فان الزيارة كانت لافتة لبعض المهتمين بالشأن الشيعي والعارفين ببواطنه. وذهب بعضهم الى حد ادراج الزيارة في دائرة التنافس التاريخي بين مرجعتي قم وما تمثل من بعد سياسي وعقيدي والنجف وما ترمز اليه تاريخيا خصوصا انها المدرسة الشيعية الام التي انشأها قبل اكثر من الف عام الشيخ الطوسي الملقب بشيخ الطائفة في حين ان حوزة قم حديثة النشأة لايعود تاريخ انشائها الى اكثر من 170 عاما وهي لم تنم وتأخذ دورها الا بعد مرور حوزة النجف بسنوات محنة وحصار سواء من قبل العثمانيين او من جهة الانظمة الملكية والجمهورية التي تعاقبت على حكم العراق بعد عام 1923.
ومع ان ثمة من يركز الان على مسالة التعاون والتنسيق بين الحوزتين وانتفاء عناصر التنافس بينهما الا ان ذروة التباين التلقائي تتمثل في وقوف حوزة قم بثقلها وراء نظرية ولاية الفقيه التي تشكل اساس الحكم الثيوقراطي في ايران منذ نجاح الثورة الاسلامية في اواخر عقد السبعينات من القرن الماضي على يد الامام الخميني الراحل فيما لا تزال حوزة النجف على منوالها التقليدي الديني والسياسي الاقرب الى نظرية الحجتية اي نظرية انتظار الامام المهدي ليقيم دولة العدل الالهي اذ ان المراجع الاربعة الكبار في النجف والمقدم بينهم اي الامام السيستاني لم يعرف عنهم تبنيهم لهذه النظرية رغم عدم مهاجمتهم لها او اعتراضهم عليها .
وعليه ثمة من يدرج زيارة السيد الشهرستاني الراعوية في اطار بعدين مباشرين :
– العمل على تعزيز حضور مرجعية السيستاني التي لها في لبنان حيز واسع من المقلدين والتابعين وبعضهم في جمهور “حزب الله” الذي يعلن صراحة ولاءه للولي الفقيه في طهران ولمرجعيته الدينية والسياسية .
– الثاني ان مرجعية السيستاني ومكتبها في بيروت قررت ان تبدأ عهدا جديدا وتقليدا مختلفا في مجال العلاقة بينها وبين الموالين لها والسالكين على هدي رسالتها العملية خصوصا بعد ارتفاع شكاوى من ضعف اداء هذا المكتب والعاملين فيه .
ولم يعد خافيا ان ثمة صراع اراء في محيط مرجعية السيد السيستاني بين فريق يدعو الى اقدام اكبر ودور افعل في القضايا المختلفة ذات الطبيعة الاستراتيجية او المصيرية اي عدم الاكتفاء بالدور التقليدي المحدود للمرجعية وبين اخرين يدرجون عادة في خانة المحافظين والتقليديين خصوصا ان السيد السيستاني اضطر منذ الاحتلال الاميركي للعراق الى التصدي قسرا حينا وطوعا حينا اخر لادوار سياسية جعلته اقرب إلى موقع المرشد تجسد آخرها في اطلاق فتوى الجهاد الكفائي لجبه تقدم الجماعات التكفيرية في محافظات عدة عراقية مما فتح الباب امام نشوء ما سمي لاحقا بـ”الحشد الشعبي” الذي اضطلع بدور عسكري مهم ومثير للجدل في المواجهات الدائرة في الميدان العراقي .
في كل الاحوال حرصت كل القوى والتيارات الشيعية العراقية على سد المنافذ امام اية تاويلات او تكهنات ذات طبيعة خلافية حيال زيارة السيد الشهرستاني لبيروت لا سيما وان حزب الله حرص على الاحتفاء بالوكيل العام بمقدار حفاوة الاطراف الاخرى ولاسيما التابعة لمرجعية السيستاني لا سيما بعد اجتماع سيد الحزب حسن نصرالله به . ولم يعد خافيا ان الحزب مطمئن عمليا الى ان اي مرجعية شيعية سياسية او دينية لن تجرؤ على التفكير في منافسة الحضور الايراني في اي ساحة ومنها لبنان مع علمه ان الحضور الايراني في الساحة العراقية يتعزز يوما بعد يوم وان بلدية طهران هي التي ترسل عمالا وخبراء لتنظيف المدينتين الشيعيتين المقدستين اي النجف وكربلاء خصوصا في ايام الاحتفالات الدينية .