IMLebanon

ماذا لو صفّق عون وحيداً في معركة «التوريث»؟

ماذا لو صفّق عون وحيداً في معركة «التوريث»؟

«غزوة السرايا»: عودة مفاعيل «الإبراء المستحيل»

ماذا بعد «غزوة السرايا»؟ هل توقف الحراك عند هذا الحد، ام انه سيتجدد بعد استراحة الاسبوعين التي منحتها الحكومة لنفسها؟

نزل العونيون وحدهم الى الشارع. الحلفاء: «حزب الله» و«تيار المردة» و«الطاشناق»، نأوا بأنفسهم عن هذا التحرّك الميداني، ربما لان لكل منهم ظروفه ومبرراته، وربما لأنهم يدركون بالتجربة ان لغة الشارع لم يسبق أن وجدت لها في لبنان ترجمة تقلب الميزان الداخلي، خاصة وان لكل طرف فيه شارعه وجمهوره الجاهز غب الطلب للنزول الى الشارع، ولا قدرة لشارع ان يغلب شارعا آخر. وربما لأن المعركة معروفة الاهداف والغايات، برغم الباسها عنوانا حماسيا وجذابا: «معركة الكرامة واسترداد الحقوق».

«المعركة في بدايتها»، يقول المتحمسون لهذه اللغة، «وقد ربحنا جولة الخميس واثبتنا اننا رقم صعب، لا بل اننا ما زلنا قوة فتية قادرة على ان تقول كلمتها وان تفرضها في اللحظة المناسبة». في قاموس هؤلاء تقدير لاحتمالات ايجابية للمعركة المفتوحة، وسترتب اثمانا باهظة على من يسمونهم «سالبي الحقوق» وان النتائج ستأتي حتما كما يشتهي المزاج العوني، ويرفضون مجرّد الحديث عن احتمالات سلبية قد ترتب اثمانا باهظة ومكلفة على عون وتياره، إذا ما جاءت النتائج عكسية.

يبدو جليا ان هؤلاء المتحمسين لديهم «ثقة زائدة بالنفس»، ولذلك يسنون اسنانهم السياسية لما باتوا يعتبرونها معركة «تصفية حساب»، فرضها الآخرون على عون فأباحوا له استخدام ما يمتلكه من عناصر قوة وضغط، دفاعا عن النفس.. و»البادي اظلم». ولسان حال بعضهم يقول «ربما لم يقدّر المتسببون بهذه المعركة ان عون وحده، يملك حريه الحركة اكثر من اي طرف آخر، وان لديه القدرة على ان يضع البلاد امام ازمة سياسية كبرى، وليس لديه أي مانع في الذهاب الى ازمة اكبر، خاصة وان التجربة مع هؤلاء منذ العام 2005، وانعدام الثقة بهم، وانكشاف النوايا والخفايا على حقيقتها، كل ذلك يؤكد انه لم يعد لدى عون ما يخسره. ومعركته بقدر ما هي محاولة لاسترداد الحقوق، هي معركة لتخسير الآخرين أعز ما يملكون.. و»الخسارة في السويّة عدل في الرعية»!

وتقود هؤلاء حماستهم الزائدة، الى الحسم «بأن البلد ذاهب، في نهاية المطاف، الى مؤتمر تأسيسي. صرنا امام ازمة نظام، وقد نصل الى ازمة كيان، وهذا مؤشر شديد الوضوح إلى أن النظام بشكله الحالي، الذي هم خرقوه وخرّبوه، لم يعد يركب او يملك قدرة الاستمرار، بما يؤمن الشراكة الكاملة والاستقرار السياسي».

تيار «المستقبل» في نظر هؤلاء، هو «رأس الأفعى» السياسية، وبالتالي فإن الزمن الراهن، ليس «الزمن الحريري»، بل هوالزمن الذي تكشفت فيه الازمة الداخلية في تيار «المستقبل». ف»المستقبل» ورئيسه والحليف الخليجي، «لن يكونوا قادرين في الآتي من الايام على حماية المكتسبات، السياسية او الحكومية او الصلاحيات التي صادروها منذ العام 2005. فلا الداخل مؤاتي لحماية تلك المكتسبات والمصادَرات، والراعي الخليجي متورط في العراق وسوريا واليمن».

في المقابل، تبرز اصوات مسيحية ايضا، ومعظمها من داخل «التيار الوطني الحر»، يتجاذبها الولاء لشخص الجنرال من جهة، والولاء ل»التيار الحر» من جهة ثانية، وما بين «الولاءين» تجد هذه الاصوات نفسها مضطرة لأن تماشي عون في معركته، وإن على مضض. لكن لديها تساؤلات عن اسباب المعركة ونتائجها في آن معا. وفي اي اتجاه ستميل دفة الميزان، هل في اتجاه الربح ام الخسارة، وهل نملك قدرة إمالة الدفّة الى الربح؟ ماذا لو مالت في اتجاه الخسارة وهل نستطيع ان نتحمل المضاعفات، سواء على شخص الجنرال او على «التيار» بشكل عام؟

يتحفظ هؤلاء، على ما يسمونه «التصعيد الموسمي». وثمة سؤال يتردد على السنة البعض: «هل كان هذا التصعيد سيحصل لو تم تعيين العميد شامل روكز قائدا للجيش؟».

لا يقارب هؤلاء المتحفظون بحماسة «غزوة السرايا»، فماذا حققنا منها غير الاصطدام بالجيش؟ وماذا نستطيع ان نحقق ان اكملنا بعد اسبوعين؟ يسأل احدهم، ثم يستعيد مشهدي التظاهرة السيارة ليل الاربعاء، وتجمّع الخميس في شارع المصارف، ليعترف «اننا لم نعد في العام 1989 ولا في التسعينيات ولا في لحظة عودة من باريس 2005، فما الذي يضمن الا يخذلنا الشارع، وماذا لو لم تظهر الاحجام، كما نتخيلها او نقدرها في الاستطلاعات؟».

تقضي الصراحة، في رأي هؤلاء، قول الامور كما هي، فالجنرال حاليا، ومعه «التيار»، يحصدان ما زرعه عون شخصيا، سواء بإرادته او بضغط «الأقربين»، بذهابه الى المواجهة، والنزول الى الميدان وحيدا، ووضع نفسه امام تحدي الجميع بعناوين تستحث المسيحيين وتتوسل استقطابهم بإشعارهم بالمظلومية، وكل ذلك في سبيل رفع الأثقال الضاغطة عليه، ولعل اثقلها، الصدمة الّتي تلقاها بفشل الحوار مع سعد الحريري. فشلت معركته حول تعيين قائد جديد للجيش، فصار يخشى من ان تفتح الخيارات الرئاسية على نماذج لا يريدها بأي شكل من الاشكال.

هنا تقتضي المصارحة والموضوعية، في نظر هؤلاء المتحفظين، تسجيل الملاحظات التالية:

اولا، كان يمكن لمعركة الجنرال الحالية، ان تكون اكثر فاعلية واكثر استقطابا للمقاتلين فيها، لو ان الحسابات الشخصية والعائلية ليست مزروعة داخل العناوين المسيحية العامة التي طرحها.

ثانيا، فوجئ جمهور التيار في لحظة معينة، بكتم انفاس «الابراء المستحيل» كرمى للحوار مع الحريري، وها هو يفاجأ مرة ثانية، برفع الصوت العكسي والدعوة الى مواجهة الحريرية الداعشية»، فهل أصبح «الابراء المستحيل» ساري المفعول من جديد؟

ثالثا، فوجئ جمهور التيار بدخول الحوار مع الحريري في وقت كان فيه هذا الجمهور في ذروة تعبئته ضده. فوجئ ثانية بتوقف الحوار وفشله، في وقت كانت آذان هذا الجمهور وقياداته ونوابه، لا تزال تضج بتغني عون بمصداقية الحريري وشفافيته ووطنيته.

رابعا، ليس معلوما الى اين يتجه التصعيد والمدى الذي سيبلغه. والسؤال المقلق: ماذا لو فشلت المعركة؟

تبعا لذلك، يستحضر هؤلاء المتحفظون، تلك المحطات، ومنها:

– حاور الأميركيين عبر السفير الأميركي دايفيد هيل، واستنتج عون سريعا ان ثمة قبولا أميركياً به كمرشح وحيد لرئاسة الجمهورية، بينما كان هيل يؤكد عكس ذلك تماماً.

– انفتح على السعودية، والنتيجة قالها عون بنفسه «هناك فيتو سعودي عليّ، ووزير الخارجية سعود الفيصل لا يحبني».

– من البداية لم يستأذن عون احدا في حواره مع الحريري، بل ذهب اليه بملء ارادته. وقتها أُخذ عليه تسرّعه، وهناك من اتهمه بانه «عندما يصافح احدا، لا يرى الآخرين»، وهناك من ارتاب وشكك ونصح بتوخي الحيطة والحذر. وقيل له آنذاك «ما الذي يستطيع ان يعطيك اياه الحريري، وماذا تستطيع انت أن تعطيه، خاصة وانكما من مدرستين مختلفتين ومتناقضتين جذريا على مستوى الخيارات الاستراتيجية الكبرى ولاسيما المتعلقة بالمقاومة والازمة السورية؟».

– حلفاء عون كانوا على يقين بفشل حواره مع الحريري، فلهم معه تجارب، سواء بالحوار بينه وبين بري او بينه وبين السيد حسن نصرالله، وثمة من حذر ووضع في يد الرابية مثلا حسيا: «نحن ذهبنا كوفد حركة أمل وحزب الله الى السعودية، والتقينا الحريري واتفقنا معه، ولما عاد الوفد الى بيروت افشل فؤاد السنيورة واطلق العبارة الشهيرة امام الحريري: بيّ بيّك ما بيمشي بهيك اتفاق».

– تعاطى مع الحريري على انه صاحب القرار، وهنا اخطأ عون لانّ الحريري هو الناطق بالقرار لا اكثر. ورغم ذلك قرر عون ان يقتنع بانه لمس تطوّراً نوعيا في موقف الحريري، وأكد اكثر من مرة انه سمع تأييداً مباشراً وصريحاً لتعيين شامل روكز قائداً للجيش، ولترشيحه. وكثيرون في ذلك الوقت أخذوا عليه من البداية ذهابه الى التورط بصفقة غير مأمونة مع الحريري الذي قدم له شيكات بلا رصيد بموافقته على ترشيحه وتعيين روكز. والنتيجة الساطعة، أن الحريري أبلغ الجميع من جهة: «انا لم التزم معه ولن التزم معه.. وجلّ ما في الأمر أننا نتحاور لترتيب العلاقات بين التيارين». ومن جهة ثانية تنصل من تزكية روكز.

– مجرد دخول عون في الحوار مع الحريري، معناه انه اختار منطق الصفقات السياسية، الذي فرض عليه في فترة لاحقة، اعتماد اسلوب المسايرة والمراعاة على حساب الاولويات، فراعى «المستقبل» في التعيينات، وكذلك في احباط سلسلة الرتب والرواتب، وغير ذلك، وبالتالي طالما انه اختار هذا المنطق، فهل من المفاجئ إن تحمّل وحده تبعة الخسارة او الربح؟

– المسألة التي احدثت صدى بالغ السلبية في اوساط التيار، هي ان عون قرر ان يقلد بعض السياسيين، بذهابه الى اعتماد «التوريث السياسي المبكر» عبر بعض المقرّبين منه، على غرار ما فعل آخرون.

يبقى ان اكثر ما يخشاه المتحفظون، ان يكون التصعيد الذي اعلنه عون، مجرد قنبلة صوتية لا فعالية جدية لها، خاصة انه قد يجد نفسه يصفّق وحيدا. فثمة من يقول إن السياسة هي لعبة موازين قوى، ومكونات، ومواقف صلبة بلا خروقات، وطالما ان هناك انقساما مسيحيا – مسيحيا، فلا يستطيع عون ان يغيّر معادلة.