يسأل البعض: إذا كان فريق 14 آذار مقتنعاً بأنّ «حزب الله» يناور بتأييد عون كمرشح لرئاسة الجمهورية، فلماذا لا يَردُّ هذا الفريق بمناورة مماثلة، فيعلن أيضاً تأييده لعون… وهكذا تنكشف مناورة «الحزب» وتتعطّل؟
لا تذهب 14 آذار إلى حدِّ المخاطرة بإعلانها تأييد عون للرئاسة. فهي ليست واثقة تماماً في أنّ «الحزب» يناور بدعم عون. ويخشى هذا الفريق أن يكتشف في لحظة معيّنة أنّ «حزب الله» ارتضى بانتخاب عون لغايات معيّنة، فيصل إلى القصر «غدراً».
ولكن، هناك مَن ينتقد: لماذا كلّ هذا الخوف من عون؟ ويقول: يكفي ألّا يكون «حزب الله» مع وصوله إلى رئاسة الجمهورية ليطمئن إليه فريق 14 آذار. فهذا دليل على أنّ «الجنرال» لن يكون الأداة الطيِّعة التي يريدها «الحزب» في بعبدا. ولذلك، فما المانع من إعلان تأييده كمرشح للرئاسة؟
في المقابل، يردُّ آخرون داخل هذا الفريق، مستغربين: هل وصل الجنون بنا إلى حدّ إيصال الحليف المسيحي الذي وفَّر لـ»حزب الله» التغطية المسيحية في كلّ خطواته الانقلابية منذ العام 2006، والذي سيكون بدءاً باليوم الأول وكيلاً للجمهورية الإيرانية على رأس الجمهورية اللبنانية؟ وهل تكون مكافأة الحلفاء المسيحيين المرشحين للرئاسة بالتخلّي عنهم لمصلحة حليف «حزب الله»، بعدما تَحمَّلوا أثماناً باهظة في مسيرة 14 آذار؟
هذا السجال قائم حتى داخل الفريق الـ14 آذاري الذي تتفاوت طريقة التعاطي مع عون في داخل مكوِّناته… لكنّ الجميع يلتقي على هدفٍ واحد: كسب الوقت مع «الجنرال». فالرئيس سعد الحريري لم يشأ أن يقول «لا» حاسمة من شأنها أن تعيد «الجنرال» إلى توتُّره القديم، ولا الدكتور سمير جعجع ولا الكتائب ولا سواها… إلّا أنّ مبادرة عون أجبرت «المستقبل» على قولها أخيراً… فيما «القوات» مضطرة إلى وضع المبادرة وورقة «إعلان النيات» في سلَّة واحدة.
وثمة مَن يسأل: ما مبرِّر التشدُّد الـ14 آذاري ضدّ ترشيح عون، في مقابل التراخي المتمادي مع «حزب الله». فهل أصبح عون «أصعب» من «الحزب»؟ وإذا كان تيار «المستقبل» قد تجاوز كل الاعتراضات على «حزب الله»، وشاركه الحكومة والحوار على رغم تورُّطه في سوريا واحتفاظه بسلاحه، فما الذي يخشى أن يقدِّمه عون لـ»الحزب» ولدمشق وطهران أكثر من ذلك في حال وصوله؟
وتالياً، هل إنّ الرئيس «الوسطي» الذي يأمل «المستقبل» والنائب وليد جنبلاط بوصوله- والأسماء هنا متداولة- سيكون قادراً على مواجهة مطالب «الحزب» أكثر من عون، أم إنه سيضطر إلى الرضوخ بسبب عدم امتلاكه أيّ حيثية مسيحية؟
فالعماد عون قد ينفِّذ أهداف «حزب الله»، إذا وصل إلى بعبدا، بسبب تحالفهما وشعوره بأنه مَدينٌ له في وصوله. وأما الرئيس الوسطي فينفِّذ أهداف «الحزب» بسبب الخوف. فالمنطلقات مختلفة، لكنّ النتائج متقاربة.
وعلى العكس، يأمل أصحاب هذا الرأي في أن يؤدي وصول عون إلى تحرُّره جزئياً من عقدة ارتباطه القوي بـ»الحزب»، خصوصاً أنه يكون قد وصل إلى بعبدا بدعم تيار «المستقبل» وقوى 14 آذارية أخرى أيضاً. وهذا ما يدفعه إلى نهجٍ أكثرَ اعتدالاً.
ويستند هؤلاء إلى قاعدة تقول بأنّ رؤساء الجمهورية في لبنان، أياً كانوا، يتمتعون حُكْماً بمواصفات لا يستطيع أيّ رئيس تغييرها. وهي مواصفات تراعي المعاير الدولية المطلوبة لهذا المنصب، وأبرزها أن يتمتع رئيس الجمهورية اللبناني بالانفتاح على المجتمع الدولي، وأن يعترف بالقرارات والمواثيق الدولية، وأن يراعي التعدّدية والحريات والديموقراطية.
ولذلك، ليس هناك «فيتو» أميركي أو أوروبي على عون، ولو كان حليفاً للمحور الإيراني. وهذه مفارقة سياسية. وبالنسبة إلى أصحاب هذا الرأي، لن يكون عون خارج هذه القواعد إذا وصل إلى بعبدا، ولا خوف من تغريده بعيداً ووحيداً في السرب الإيراني. وربما يدرك «حزب الله» هذا الأمر، وهو لذلك لا يريد عون في القصر.
ويسأل بعض قواعد «التيار الوطني الحرّ»: ما دام «الحزب» يتسلَّم البلد بالواسطة، والجميع ساكت على مضض. فلماذا الاعتراض إذاً على وصول عون؟ هل الخلفيات طائفية فئوية؟ وفي معنى آخر، هل إنّ القوى السنّية والشيعية التي تسلمت زمام السلطة في غياب المسيحيين، بالقوة السورية، ترفض فعلاً وصول رئيس ذي تمثيل مسيحي، أيْ عون أو جعجع أو سواهما من الأقطاب؟
وثمة مَن يقول في الأوساط المسيحية إنّ «المستقبل» يناور في إعلانه تأييد جعجع لإدراكه أنه لن يصل، ومثلُه يفعل «حزب الله» وحلفاؤه بمناورتهم تأييد عون. وفي النهاية يستحيل وصول أيّ منهما، ويصبح مبرَّراً المجيء بالرئيس الضعيف.
فهل تستأهل المغامرة أن تلعب 14 آذار، وأن يلعب المسيحيون في المطلق، لعبة الإعلان عن دعم عون، وكشف المناورات؟ أم إنّ المغامرة تعرِّضها لمخاطر حقيقية؟ الأمر يستحق المناقشة واتخاذ القرار.