انخرطت روسيا فلاديمير بوتين بقوة في الصراع العسكري الدائر في سوريا لتفرض امرا واقعا تتقدم عبره فتكرس عودتها قطبا عالميا في مواجهة الولايات المتحدة، وذلك رغم ما يكبده التدخل العسكري الواسع لاقتصادها المتعثر اصلا بفعل العقوبات الاميركية والاوروبية، ورغم ان هذا التدخل محفوف بمخاطر كبيرة تسهل تحوله الى انغماس في وحول سوريا.
فغارات المقاتلات الروسية، التي لم ينقض اسبوع واحد على انطلاقها، ساعدت نظام بشار الاسد على وقف انهياراته العسكرية التي توالت في الاشهر الاخيرة، لكنها لا تعني فعليا سعي موسكو الى حل عسكري، انما لنيل ورقة قيمة تستثمرها حين يحين أوان الجلوس حول طاولة التفاوض على حل سياسي سيرسم الخطوط العريضة لما ستكون عليه التوازنات الاقليمية باعتبارها قاعدة تقاسم النفوذ العالمي.
ولم تقتصر استهدافات الغارات على مواقع تنظيم «داعش» وجبهة «النصرة»، بل شملت مواقع سائر التنظيمات بما فيها «جيش الاسلام« و«جيش الفتح« و«احرار الشام« وغيرها، وحتى مواقع «الجيش الحر« باعتراف مصدر لبناني مطلع عن قرب على مواقف النظام السوري. ويعني هذا عمليا ان روسيا ترى «ارهابيا» كل من يحمل السلاح في وجه الاسد بغض النظر عن اهمية الدول التي تدعمه وتموّله وتدرّبه.
لذا تركزت الغارات على محيط حماة وحمص وادلب وجسر الشغور، اي على المناطق التي خسرها تدريجيا النظام وصولا الى اريحا والتي وسعت مناطق سيطرة المعارضة الى تخوم المعقل العلوي.
فقد فرضت موسكو امرا واقعا اربك عشرات الدول المشاركة في التحالف الدولي للقضاء على «داعش» والذي تتزعمه الولايات المتحدة. ولا يستبعد المصدر ان يصل الامر الى تدخل بري من دون ان يعني ذلك انحيازا الى حل عسكري، اذ ان الحاجة لأسلحة فعّالة لا يمكن تسليمها للجيش السوري هي التي فرضت التدخل المباشر.
ويلفت المصدر الى ان العمليات التي يقتصر مسرحها حاليا على الشمال قد تطال لاحقا الجبهة الجنوبية. ويتوقع ان لا تطول فترة الانخراط العسكري «الناجح» بحيث ينطلق الكلام عن حلّ سياسي بعد رأس السنة عبر انتخابات نيابية مبكرة باشراف دولي.
ولكن ماذا اذا لم تُفلح الغارات الروسية اسوة بغارات التحالف الدولي رغم الفرق في الهدف؟ فهدف التحالف الدولي لم يكن يوما انقاذ النظام بل القضاء على «داعش« فيما هدف موسكو الفعلي انقاذ الاسد ليكون ورقه تفيدها في الحفاظ على مصالحها.
ويذكر المصدر انها ليست المرة الاولى التي ينجح فيها بوتين بفرض امر واقع. فقد سبق له ان فرض وجهة نظره في قمة الدول الصناعية الثماني التي انعقدت في حزيران الماضي بحيث افشل كل الجهود لتحديد مصير الاسد او لتحديد موعد لمؤتمر جنيف 3.
وتراوح التحليلات بين حدّين. حدّ التنسيق الروسي المسبق مع القوى المعنية من الولايات المتحدة الى تركيا والسعودية وحتى اسرائيل، وحدّ الامر الواقع الذي فرضه بوتين، رغم التشكيك الدولي والاقليمي باهدافه، فجرّ المعارضين عمليا الى التنسيق معه.
وتبقى مشروعية للسؤال عما اذا كان الامر استدراجا اميركيا للروس يقضي على احلام استعادة الثنائية القطبية، ام انه الفشل الاميركي والانسحاب العملي من المنطقة وسياسة باراك اوباما قد تضافرت جميعها لتوكل روسيا بالحل الناجع؟ وحتى في هذه الحال فإن ذلك لن يخولها حق الاستفراد بوضع الشروط بل ستكون مجبرة على القبول بتنازلات وفق مصدر لبناني متابع بدقة للتطورات.
فالتدخل الروسي يزيد تعقيد الوضع المعقد اصلا، بما قد يؤدي الى نمو الإرهاب في مناطق اخرى، اذا افترضنا جدلا النجاح في القضاء عليه في سوريا. وماذا اذا كان آخر دواء لمواجهة التدخل الروسي تحرك المسلمين في الاتحاد الروسي؟ فخشية تمدّد الارهاب الى هذه الاوساط هو من بين الدوافع التي ادت الى الانخراط العسكري خصوصا وان نحو 20 مليون مسلم يتوزعون هناك من بينهم نحو مليونين في موسكو وحدها.