نفذ مركز دراسات الامن القومي في تل ابيب محاكاة لاستشراف موقف حزب الله واسرائيل من المواجهة المحدودة، ومصلحتهما في منع «التدحرج» الى مواجهة شاملة. النتيجة كانت: «لا… ولكن». لا احد معنياً بحرب يمكن ان تنشب، برغم ان الطرفين يريدان تجنبها
لا احد معنياً بتصعيد امني على الجبهة الشمالية، بما يشمل اسرائيل وحزب الله. هذا هو التقدير السائد لدى الاستخبارات العسكرية في تل ابيب، وعليه تبنى السياسات والخطوات العملياتية في الدولة العبرية، سواء لجهة المبادرة وشن اعتداءات في لبنان وأو في سوريا، او لجهة توقع رد حزب الله والرد على الرد، إن وجد.
مع ذلك، تسأل اسرائيل واستخباراتها عن المواجهة الكبرى على الحلبة الشمالية: متى تندلع الحرب وما هي اسبابها وسيناريوهاتها؟ اسئلة حاول مركز ابحاث الامن القومي في تل ابيب الاجابة عنها، من خلال محاكاة شارك فيها مسؤولون سابقون وحاليون، وخبراء من داخل المركز ومن خارجه، مثلوا كل الاطراف المعنية، القريبة والبعيدة، والمؤثرة والاقل تأثيراً. اما ما اعلن من سيناريوهات ونتائج توصلت اليها المحاكاة، فكانت ان الحرب ممكنة ضمن «سيناريو التدحرج» من احداث بسيطة وموضعية الى مواجهة شاملة، لكن في مقابل ذلك فان نيات الاطراف المعنية ومصالحها في عدم الانجرار الى حرب، كانت اكبر من قدرة الاحداث نفسها على سحب حزب الله واسرائيل اليها.
ضابطة الرقيب العسكري كانت حاضرة في النسخة المعلنة من المحاكاة، التي صدرت امس بالعبرية والانكليزية، وكما يبدو مجتزأة، اذ صمتت النسخة عن الاسباب الحقيقية التي تدفع اسرائيل الى الامتناع عن التصعيد او الرد على ردود حزب الله بصورة متصاعدة ومنفلتة، وهي تحديداً الاثمان المهولة والدمار الهائل المقدر دفعه نتيجة للحرب. وفي النسخة المعلنة من المحاكاة، جرى الاكتفاء بسيناريو عملية يقوم بها حزب الله ابتداء، تجر ردوداً اسرائيلية، ومن ثم الرد على الرد. لكن ماذا عن اعتداء اسرائيلي ابتدائي في لبنان؟
حرر التقرير المعلن للمحاكاة، رئيس برنامج البحث العسكري والشؤون الاستراتيجية في المركز، العقيد احتياط غادي سيبوني. وجاء على الشكل الآتي:
الرغبة لدى جميع الاطراف بالامتناع عن التسبب والانجرار الى تصعيد امني، كانت ميزة اساسية في المحاكاة. حاولت الاطراف احتواء الحدث ومنعه من التحول الى حادث اكبر، وبالتأكيد منعه من التحول الى مواجهة واسعة. من بين العوامل التي كبحت الاطراف، كان التحدي الذي يشكله تنظيم الدولة الاسلامية («داعش»)، واضعاف المحور الشيعي في المنطقة، وتدخل حزب الله في القتال الدائر في سوريا، والمفاوضات الجارية بين الولايات المتحدة وايران، سواء لجهة الملف النووي او لجهة مواجهة «داعش»، العدو المشترك لدى الجميع .
وكان واضحاً في الموقف الاسرائيلي كما ورد في المحاكاة، المصلحة العارمة في تجنب الصراع على الجبهة الشمالية (مع حزب الله)، ومن بينها القلق من امكان تدخل الفلسطينيين في الصراع، والتحدي الذي تواجهه اسرائيل على الصعيد السياسي والدبلوماسي، في الحلبة الدولية.
الهجوم الذي نفذه حزب الله في هار دوف (مزارع شبعا) في تشرين الاول الماضي، راكم منسوب القلق والخشية من التصعيد الامني على الجبهة الشمالية. وهذا الهجوم اثبت جدية رسائل (الامين العام لحزب الله السيد حسن) نصر الله خلال العام الماضي،
لإسرائيل مصلحتان استراتيجيتان تجاه لبنان: تجنّب التصعيد وتعزيز الردع
من ان قتال حزب الله ضد تنظيم الدولة الاسلامية والمنظمات المسلحة في سوريا، لن يحول بينه وبين محاربة اسرائيل. وهذه التصريحات تأتي في تزامن مع معلومات استخبارية تشير الى ان حزب الله يخطط لتنفيذ سلسلة من العمليات ضد اسرائيل انطلاقا من شمال الجولان ومنطقة هار دوف (مزارع شبعا). وهذا كله يأتي ايضاً في موازاة المحاولات المستمرة لنقل وسائل قتالية متطورة واستراتيجية، من ايران عبر سوريا الى حزب الله في لبنان، وقسم من هذه الشحنات وصل بالفعل الى وجهته في بلاد الارز.
أجرى برنامج البحث العسكري والشؤون الاستراتيجية في مركز ابحاث الامن القومي، محاكاة ترمي الى اختبار الظروف التي قد تحمل حزب الله على تفعيل تهديداته، ومن ثم التسبب بتصعيد امني على الجبهة الشمالية. أدى خبراء من داخل المركز ومن خارجه، ممن هم اصحاب اختصاص بالقضايا الامنية والاستراتيجية في الشرق الاوسط، ادوار كل من اسرائيل والولايات المتحدة وروسيا والكتلة المتطرفة في المنطقة بقيادة ايران، اضافة الى السلطة الفلسطينية وحركة حماس في قطاع غزة.
السيناريو الافتتاحي
وفقاً للسيناريو، نفذ حزب الله هجومين متزامنين ضد أهداف اسرائيلية: الاول تمثّل بهجوم على دورية تابعة للجيش الاسرائيلي في منطقة مزارع شبعا، استخدم خلالها المهاجمون عبوات وأسلحة مضادة للدروع وبنادق رشاشة، ادى الى سقوط قتيلين اسرائيليين وجرح اثنين، اضافة الى فقدان جندي خامس. اما الهجوم الثاني، فاستهدف دورية في الجولان بعبوة ناسفة، سقط جراءها قتيل اسرائيلي وجرح ثلاثة. ورداً على الهجومين، وبأمر من المجلس الوزاري المصغر، استهدف الجيش اربع نقاط لحزب الله: ثلاث في البقاع اللبناني وواحدة في سوريا. ردّ حزب الله على الهجمات في الليلة نفسها، وأطلق قذائف وصواريخ مضادة للدروع في اتجاه مواقع للجيش الاسرائيلي، اضافة الى اطلاق صواريخ قصيرة المدى في اتجاه نهاريا وصفد وكريات شمونة… لكن من دون سقوط اصابات.
مواقف الأطراف
انطلق موقف اسرائيل في المحاكاة من مصلحتين استراتيجيتين تجاه لبنان: تجنّب التصعيد الامني وتعزيز الردع الاسرائيلي، الا ان تعزيز الردع قد يقود الى تفاقم المواجهة، الامر الذي قاد المشاركين للبحث عن بدائل: «الهدوء مقابل الهدوء»، والغاية من ذلك استيعاب الاحداث والحد من تفاقمها. اما البديل الثاني، فتمثل في ان تمارس اسرائيل الضغط على المجتمع الدولي ليضغط بدوره على حزب الله وان يمتنع عن استهدافها، فيما تمثل البديل الثالث بتنفيذ ردّ عسكري موجع ضد حزب الله، لكن ليس الى الدرجة التي تدفعه للرد المكثف على اسرائيل. وبعد دراسة البدائل، قرر الفريق الاسرائيلي ان يتخذ قراراً مركّباً من البدائل: مهاجمة اسلحة استراتيجية وبعيدة المدى لدى حزب الله، والتوجه الى المجتمع الدولي للعمل على «الهدوء مقابل الهدوء»، في موازاة المطالبة باعادة الجندي المفقود.
في المقابل، كانت نقطة الانطلاق في موقف حزب الله، بحسب المحاكاة، في انه يريد تحسين معادلة الردع المتبادل مع اسرائيل مع الحرص على منع التصعيد. وفسر مؤدّو دور حزب الله في المحاكاة، جرعة الرد الاسرائيلي بان تل ابيب غير معنية ايضا بمواجهة واسعة في هذه المرحلة. لذا قرر حزب الله الرد على الهجوم الاسرائيلي باستهداف مواقع عسكرية ومناطق مفتوحة غير مبنية. والى جانب ذلك، مرر حزب الله رسالة الى اسرائيل بانه يفكر في نقل الجندي المفقود الى عهدة الدولة اللبنانية.
مؤدّو دور الولايات المتحدة في المحاكاة، اكدوا ان الهدف الاعلى للادارة الاميركية هو محاربة «داعش» ومنعه من السيطرة في سوريا والعراق، لأن في ذلك تهديداً لاستقرار الاردن ولبنان والسعودية ودول اخرى في الخليج، ولهذا السبب طلب فريق الادارة الاميركية بالامتناع عن هدر موارد باتجاه مواجهة اخرى في المنطقة، على غرار مواجهة بين حزب الله واسرائيل، كما ان واشنطن حاليا تدير مفاوضات مع ايران لاشراكها في الحرب ضد «داعش»، فضلا عن المفاوضات الدائرة حول البرنامج النووي الايراني.
وامتنعت الادارة الاميركية (بحسب مجريات المحاكاة)، عن المبادرة للاتصال بالايرانيين والطلب منهم لجم حزب الله، مشيرة الى انها (واشنطن) لا تريد ان تواجه وضعاً تطلب فيه ايران مقابلا في ملفها النووي كثمن لاقناع حزب الله. الامر الذي دفع بالفريق الاميركي لمتابعة ما سيحدث، والامتناع عن التدخل.
ايران وسوريا درستا الموضوع واتخذتا موقفا مشابها: لا مزيد من التصعيد، والامتناع عن التورط في المواجهة، وتحركتا في اتجاهين: كبح جماح حزب الله والتخفيف من وطأة رده، والتوجه الى الولايات المتحدة كي تكبح اسرائيل. لكنهما افهمتا الجميع بأنهما ستقفان الى جانب حزب الله في حالة التصعيد الامني الشامل.
أدى فريق واحد في المحاكاة دور السلطة الفلسطينية وحركة حماس. من جهة حماس، وجد الفريق ان مصلحتها هي المواجهة بين اسرائيل وحزب الله، لانها تحرف الاهتمام عن وضعها المزري بعد عملية الجرف الصامد وتأخر الاعمار في غزة، كما ان موقفها المؤيد لحزب الله قد يقربها اكثر من ايران. اما لجهة السلطة الفلسطينية، فرأت في المواجهة خطراً قد يحرف الانتباه الدوليّ عن المسألة الفلسطينية، ويقطع زخمها الدبلوماسي، كما كان لدى السلطة خشية من تظاهرات تأييد لحزب الله في الضفة الغربية، الامر الذي سيحدث تدهورا امنيا بين الفلسطينيين واسرائيل .
بقيت روسيا على هامش الاحداث. واعرب الفريق الروسي عن قلقه ازاء انجرار اسرائيل الى مواجهة مع سوريا، الامر الذي سيتسبب بعواقب وخيمة على مصالح هامة في هذا البلد. الامر الذي دفع الفريق للتفكير بارسال سفينة حربية الى سوريا، لكنه وجد ان الظروف لا تسمح بذلك، لانها لا تريد (روسيا) تحريك الولايات المتحدة ضدها. اما لجهة المقايضة بين التضحية بـ (الرئيس السوري بشار) الاسد وتخفيف العقوبات على خلفية الازمة في اوكرانيا، فلم يجر اختبارها في المحاكاة.
الخلاصة
تبيّن على نحو واضح ان كل الافرقاء المشاركين في المحاكاة وجدوا مصلحة مشتركة في عدم الانجرار الى تصعيد امني، بل إن الاطراف اندفعت لاحتواء الحدث وحصره في جولة قصيرة من العنف. والمحاكاة والنتيجة التي خلصت اليها، قد تعطي انطباعا، وهميا ربما، بان التطورات ومسار الاحداث تحت السيطرة . واذا كان كل من حزب الله واسرائيل غير معني بالتصعيد الامني، فلانه ما من انجاز واضح ومؤكد يمكن تحقيقه، بل على النقيض من ذلك، وليس هناك ما يضمن انهما لن ينجرا الى جولة من العنف ضد ارادتهما، وبصورة متصاعدة، نتيجة قراءة خاطئة لخطوات واعتبارات الطرف الاخر.
لبنان والغاز يدفعان إسرائيل لتعزيز سلاح البحرية
شهية اسرائيل للتزود بوسائل قتالية بحرية زادت في الاشهر الاخيرة، فاضافة الى اربعة طرادات المانية جديدة، ستتزود البحرية الاسرائيلية غواصتين المانيتين اضافيتين حتى نهاية عام 2017، وثلاثة زوارق حربية غير مأهولة مخصصة لحماية منشآت الغاز والنفط في عرض البحر.
مشروع تعزيز القدرة البحرية في الجيش الاسرائيلي، اثاره موقع «اسرائيل ديفنس» العبري، المتخصص بالشؤون العسكرية والامنية، الذي لفت الى وجود علاقة بين ذلك والاكتشافات النفطية بالقرب من شواطئ اسرائيل، اذ انيطت بالجيش الاسرائيلي مسؤولية حماية هذه المنشآت ازاء دوائر التهديد الخارجية، وعلى رأسها حزب الله.
ويشير الموقع الى «السجال» القائم ازاء ملكية الموارد في المياه الاقتصادية بين لبنان واسرائيل، وهو السجال الذي دفع نائب الامين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، الى اتهام اسرائيل بسرقة الثروة الغازية للبنان. من هنا، يؤكد الموقع ان تعاظم البحرية الاسرائيلية مرتبط الى حد كبير بحماية الموارد الاقتصادية للدولة العبرية، اضافة لما يمكن ان يحدث انطلاقا من الحلبة اللبنانية.
وفي جزء اخر من الاسباب، يثير الموقع تعاظم القدرات البحرية للجيش المصري، الذي ينوي التزود بغواصتين جديدتين من المانيا، اضافة الى فرقاطات اشترتها القاهرة من الفرنسيين. اما الجزء الاخر من التعاظم، فمرتبط بالتهديد الايراني، اذ للغواصات الإسرائيلية دور مهم في تحقيق المصلحة الاستراتيجية في اي مواجهة مع الايرانيين.