تسارع القطار الذي يقل سليمان فرنجية إلى قصر بعبدا. صوته يُسمع في أرجاء البلاد والمنطقة والعالم، لكن لا أحد قادر حتى اليوم على ضمان تخطيه الأمتار الأخيرة. حتى الوصول إلى أسوار القصر لا يعني بالضرورة أنه سيدخله. لم يُفرش السجاد الأحمر بعد، ولم تكتمل التحضيرات لإعادة الحياة إلى قصر غابت عنه الروح 560 يوماً.
صحيح أن اللقاءات تكثفت في الأيام الأخيرة، ولا سيما بعد عودة البطريرك بشارة الراعي من رحلته الخارجية، إلا أن الجميع يترقب لقاءً.. سيجمع فرنجية بالعماد ميشال عون، في الأيام المقبلة.
حتى اليوم ما يزال فرنجية يضبط إيقاع تصريحاته ويوزن كلماته، وإن حذّر، عندما زار النائب وليد جنبلاط، ربما تأثراً بأفكار صاحب الدار، مما قد يحصل إذا لم تستغل الفرصة وينتخب رئيساً.
ما يزال فرنجية يقول إن عون هو مرشحه، وما يزال الأخير يرفض ترشيح غيره، مطمئناً إلى أن «حزب الله لا يقول كلمتين»، وهو قال إنه «خلف الجنرال في ملف الرئاسة». لهذا، فإن الطرفين لا يشعران بضغط الوقت وليسا مستعدين لتقديم المعونة لـ «14 آذار»، فمن قام بخطوة ترشيح فرنجية، يفترض أن يكون قد حضّر لها جيداً، كما يفترض أن يملك العدة التي تسمح بإيصاله إلى قصر بعبدا، و «أي أمر آخر يعني أن الغرض هو تفكيك الصفوف، وهو ما لن نسمح به أبداً».
بدأ البعض يشعر بأن كثرة الكلام لن تفيد.. وكذلك الضغط الذي يمارس على عون وحليفه «حزب الله». وبدل الحوارات التي لا تنتهي، والمساعي لاسترضاء الجميع، بما يتطلب حكومة من 100 وزير، حان وقت ترجمة الكلام على أرض الواقع. لذلك، فالمطلوب من الفريق الذي يؤيد فرنجية، بحسب مصدر متابع، النزول إلى مجلس النواب في 16 الجاري وانتخابه، إذا كان يملك نصاب الثلثين. ومن بعدها يبدأ البحث في تداعيات هذا الانتخاب، والانتقال إلى الملفات الأخرى. أما إذا كان هذا الفريق لا يملك الثلثين، فالمطلوب منه إعادة المبادرة إلى حدودها، المتمثلة بدعوة «8 آذار إلى اختيار مرشحه الرئاسي، مقابل اختيار 14 آذار لمرشحها لرئاسة الحكومة، على أن يتم التوافق بعدها على القانون الانتخابي».
في الفريق الحذر من ترشيح فرنجية رفض لمقولة إنه أحد مرشحّي «8 آذار» وقد اختير بناءً لموقعه هذا، لأن «8 آذار» لم تعلن تخليها عن مرشحها الأول، كما لم تطرح الاسمين للاختيار بينهما. وفي هذا السياق، ثمة من يسأل: لو كانت هذه القاعدة صحيحة، فهل يحق لـ «8 آذار» اختيار رئيس الحكومة من بين المرشحين لهذا المنصب؟ وتضيف: هل يقبل «المستقبل» أن يرشح عون نهاد المشنوق، على سبيل المثال، لهذا المنصب؟
كل ما يجري يشي بأن العقد ما تزال كثيرة. والأهم أنه لا يبدو، حتى الآن، أن «8 آذار» تتعامل مع ترشيحه كفرصة يجب الاستفادة منها، وإن تؤكد أن ذلك «الموقف لا يتعلق بمكانة فرنجية، الذي لا يحتاج إلى شهادة من أحد، في الفريق الممانع، لكنه يتعلق تحديداً بالكمين الذي يحضر لمحور المقاومة». ويضيف مصدر مطلع أن «انتخاب فرنجية بدون الاتفاق على قانون انتخاب مبني على النسبية، سيعني عملياً تكرار تجربة الرئيس إميل لحود (رئيس قوي من صلب الخط الإيراني السوري، لكنه لم يتمكن من الوقوف بوجه الحريرية، التي حكمت لبنان بالأكثرية العددية في مجلس النواب ومجلس الوزراء)». ومع الكتلة المحدودة العدد التي يمكن أن يحصل عليها فرنجية، ومع قانون انتخاب يعطي «14 آذار» الأغلبية في مجلس النواب لأربع سنوات جديدة، يسأل المصدر: ما هي مصلحة «حزب الله»، ولماذا عليه أن يعتبر أن ترشيح فرنجية هو فرصة لن تتكرر؟ وكيف يفترض بـ «الحزب» أن يطمئن لدعم فرنجية من السعودية في الفترة نفسها التي أضافت عدداً من قيادييه إلى لوائح الإرهاب؟
وعليه، فإن من يقرأ تداعيات الترشيح، يدرك أن «المطلوب ممن يريد حقاً أن يفتح صفحة جديدة أن يتعاطى مع كل الأطراف، وعلى رأسهم عون المعني الأول بالملف الرئاسي، إلا إذا كان هدفه استكمال الحرب، بالمعنى السياسي، عليه، وصولاً إلى محاصرته بالكامل».
كل القلق الذي يبديه العونيون، لا يلغي حقيقة أن ما تحقق حتى الآن أدى إلى تثبيت إنجازين بالنسبة لـ «8 آذار»، الأول هو إسقاط مرشح «14 آذار» والثاني إسقاط فرص أي مرشح من نادي الرؤساء التوافقيين. وهو ما يعني عملياً أن «الحريري سلّم أن الرئيس يجب أن يكون من 8 آذار، ويبقى أن يسلم أنه إذا أراد التفاهم لا فرض الأمر الواقع، فإن هذا الفريق هو الذي يفترض أن يختار مرشحه لا هو». أما القول إن سليمان فرنجية هو ضمانة «الطائف»، فيراه المصدر أمراً يزيد الغموض، «خاصة أن الجميع يدرك أن الطائف لا يمكن أن يمس في هذه المرحلة، التي لا تحتمل أي تغييرات كبيرة، إنما تحتاج إلى من يتمكن من إبعاد الخطر المحدق بالبلد، أضف إلى أن السيد نصر الله نفسه أعلن، في إطلالته الأخيرة، أن المطلوب تسوية تحت سقف الطائف».