من المرات النادرة التي تلتقي فيها الإرادات، الدولية والإقليمية والداخلية، حول دعم حكومة في لبنان ومناشدة رئيسها الحرص على استمراريتها، رغم المصاعب والعقبات الكبرى التي تتطلب حلولاً منها وتعجز عن اتخاذها، ورغم المصائب التي تعشعش في داخلها وتستفيق عندما يكون مطلوبا منها اتخاذ القرار.
لذلك لا يستبعد البعض من ان يكون الإجماع الملفت حول حكومة الرئيس تمام سلام ومناشدته الإقلاع عن نية الاستقالة، يهدف إلى الاجهاز على مستقبله السياسي.. وإلا فما معنى التمسك باستمرارية الحكومة الذي وصل إلى حدود التوسل أحياناً من دون مد اليد لمساعدته في مواجهة ولو قضية واحدة من تلك «المصاعب والمصائب»؟
ولكن ماذا إذا استقال رئيس حكومة المصلحة الوطنية تمام سلام؟ وكيف يمكن تشكيل الحكومة البديلة؟
لن الدستور يفسح في المجال للرئيس سلام في ان ينفض يده من دم هذا الصديق في حال استقالته، فالمادة 64 ـ دستور تلزم الحكومة عند اعتبارها مستقيلة بتصريف الأعمال بالمعنى الضيق، وذلك حتى تشكيل حكومة بديلة. ومهما كان «ضيق تصريف الأعمال» فإنه لن يكون أضيق من الاعمال التي تنجزها الحكومة، ولهذا فإن الحكومة برئيسها وأعضائها يستمرون في المواجهة وتحمل المسؤوليات، ولكن هذه الاستمرارية مرشحة للامتداد حتى انتخاب رئيس الجمهورية، ليس لأن الدستور لا يجيز تشكيل الحكومة البديلة، إنما لأن من «المصائب» التي هبت وتهب على مجلس الوزراء من داخله ترفض الانصياع لما يقول به الدستور.
فعندما تعتبر الحكومة مستقيلة يجري رئيس الجمهورية استشارات نيابية لتشكيل حكومة جديدة. وفي وجود سدة الرئاسة خالية، فإن الاستشارات تتحول إلى «الرئيس ـ الوكيل» الذي حددته المادة 62 ـ دستور وهو مجلس الوزراء. وبهذا فإن الاستشارات تكون، ودائماً وفق النص، من صلاحيات مجلس الوزراء.
وبما ان صورة «الرئيس البديل» أو «الرئيس الوكيل» لا تظهر إلا بالأكثرية المطلقة من الوزراء، وبأكثرية الثلثين جدلاً، فإن على مجلس الوزراء رسم الصورة البديلة لرئيس الجمهورية أولاً باختيار أكثرية من الاكثريتين التي يكون عليها إجراء الاستشارات للتكليف. مع الإشارة هنا إلى ان صلاحية «الرئيس الوكيل»، هذه لا يمكن ان تثير جدلاً عند تقريرها من مجلس الوزراء لأن هذا الرئيس لا يتمتع بصلاحيات تقريرية فتقتصر مهمته على عد الأسماء الذين سماهم النواب لتشكيل الحكومة وإعلان من نال العدد الأكبر لتكليفه بالتشكيل، ولا يتطلب ذلك أي أكثرية من الأكثريات، انما يكون بمعرفة الاسم الذي نال العدد الأكبر بصرف النظر عن حجم العدد.
ان هذه الصيغة الوحيدة التي وضعها المشترع الدستوري لتشكيل الحكومة في حال وجود خلو في سدة الرئاسة، تبدو في نظر الكثيرين مستغربة ومستحيلة التطبيق في ظل الفلسفة الجديدة التي قال بها بعض الوزراء لمفهوم الميثاقية، ولكنها صيغة تبرئ المشترع من ترك مثل الحالة التي يحتمل ظهورها من دون حل بمجرد وضعه المادة 62 ـ دستور، ودائماً عندما لا تحترم إرادة المشترع تغيب الدهشة والاستهجان من انحدار الأوضاع في الدولة إلى ما هو عليه لبنان اليوم.
فهل من معين للمشترع أيضاً؟