السؤال الذي طرح نفسه بقوة على أثر الحملة التي شنّها «حزب الله» على قوى ١٤ آذار بعد إطلاقها «المجلس الوطني»، والتي ذكّرت بالحملات التي طبعت المشهد السياسي في مراحل سابقة، يتمثّل بالآتي: هل الحملة هي ضد «المجلس الوطني» أم ضد الرئيس فؤاد السنيورة الذي تلا البيان الختامي؟ وماذا لَو تلا البيان نائب رئيس حزب «القوات اللبنانية» النائب جورج عدوان؟
وجهتا نظر سادتا الوسط السياسي حيال الهجوم الذي شنّه «حزب الله» على ١٤ آذار، مُخيّراً «المستقبل» بين الحوار أو المواجهة السياسية، وملوّحاً ومهدداً بمواقف وخطوات تصعيدية.
الوجهة الأولى تقول إنّ انزعاج الحزب مردّه إلى المشاركة اللافتة لمعظم فريق تيار «المستقبل»، وتلاوة السنيورة البيان، وبالتالي خَرقه الهدنة التي بدأ العمل بها مع الحكومة والتي توّجت بالحوار ولم تخرق إلّا في مناسبات محدودة.
وتدعّم هذه الوجهة رؤيتها بالعوامل التالية:
أولاً، يتوجّس الحزب من أن يكون «المستقبل» يريد العودة إلى الاشتباك السياسي، ولكن من باب ١٤ آذار، لا «المستقبل»، وذلك من أجل تفعيل سياسة ربط النزاع من المدخل الوطني لا المذهبي.
ثانياً، يحمِّل الحزب «المستقبل» مسؤولية توفير الغطاء السياسي لهذا اللقاء واستخدامه منصّة لإطلاق النار عليه.
ثالثاً، يعتبر أنّ «المستقبل» تعاملَ بحماس زائد مع المجلس، خلافاً للكتائب والقوات.
رابعاً، يتهم «المستقبل» بتحريك الستاتيكو القائم من خلال إعادة تفعيل ١٤ آذار.
خامساً، يتساءل عن كيفية توفيق «المستقبل» بين الحوار والتسخين السياسي؟
سادساً، يحاول تَلمُّس ما إذا كان لهذا التصعيد إشارة إقليمية، وتحديداً سعودية.
سابعاً، يقرأ في تلاوة السنيورة للبيان رسالة بحد ذاتها.
وعليه، إنّ ردة فعل «حزب الله» مردّها إلى كل ما تقدم من عناصر تجعله يتوجّس من تبدّل وتحوّل في السياسة السعودية بدأت ترجماتها تظهر على الأرض. وبالتالي، أراد رفع السقف لمعرفة الخيط الأبيض من الأسود. وقالت انه لَو تلا الرئيس أمين الجميل البيان او النائب عدوان لكانت الأمور اختلفت نسبياً.
وأمّا وجهة النظر الأخرى فتعتبر أنّ إنشاء «المجلس الوطني» هو ما أزعج الحزب، لأنه ينمّ عن إرادة ترمي إلى إخراج ١٤ آذار من الثلّاجة وإعادة تفعيلها وتنشيطها، خصوصاً انه يعتبر أنّ أيّ تفعيل سيكون موجهاً ضده. وبالتالي، بادر إلى رفع السقف من أجل فرملة أيّ اندفاعة من هذا النوع، وتحذير «المستقبل» بأنه لن يتردد في تطيير الحوار في حال كان الهدف من المجلس العودة إلى التسخين السياسي، وتخييره بين الحوار و»المجلس الوطني».
وفي سياق هذه الوجهة، ليس مهمّاً من يقرأ البيان، السنيورة أو عدوان، بل تلاوة نائب رئيس «القوات» قد تكون أخطر كونها تؤشّر إلى توزيع أدوار بالتكافل والتضامن من أجل العودة إلى المواجهة، ولكن مع تحييد «المستقبل» عن الواجهة.
وفي السياق نفسه أيضاً لن يستطيع الحزب التذرّع بالاحتقان المذهبي، لأنّ «المجلس الوطني» سيُعيد ربط النزاع من مربّع وطني لا مذهبي، فضلاً عن انه يفضّل في هذه المرحلة الحفاظ على قواعد اللعبة الراهنة التي تتيح له إبقاء الأولوية للأزمة السورية.
وإذا كان الحزب تفهّم السقف السياسي للرئيس سعد الحريري في ذكرى ١٤ شباط، فلماذا لم يتفهّم السقف السياسي لقوى ١٤ آذار في ذكرى انطلاقتها؟
والجواب بسيط، لأنّ الفارق بين المناسبة الأولى والثانية إنشاء «المجلس الوطني» الذي أكّد بأنّ قواعد الصراع ما زالت بين ٨ و ١٤ آذار، وأظهر أن ّ١٤ آذار ما زالت جسماً قادراً على المواجهة والتطوير والتحديث، وأشّرَ بوضوح إلى وجود نيات واضحة لإعادة الحيوية والدينامية إلى هذا الجسم.
وفي الوقت الذي يدخل كل كلام «حزب الله» في سياق التلويح لدفع «المستقبل» إلى تجميد «المجلس الوطني» وتعليق الاشتباك السياسي، فإنّ «المستقبل» ليس بوارد التجاوب مع الحزب، لأنّ الهدف من الانتقاد والتفعيل هو التحذير من سياسات الحزب التي تجرّ لبنان إلى الويلات.
وبالتالي، المراجعة المطلوبة هي من الحزب نفسه، إن بانسحابه من سوريا، أو بتسليم سلاحه للدولة، ومن يتحمّل مسؤولية الاحتقان ليس الطرف الذي يعبِّر سياسياً، بل الطرف الذي يُقحم لبنان في سياسات المحاور، ويرفض التزام شروط البلد والدولة.
ويبقى أنّ «حزب الله» قدّم خدمة مجانية للمجلس الوطني الذي بات عليه أن يكون جديراً بالتحدي، وأن يذهب سريعاً نحو الانتظام والتفعيل.