Site icon IMLebanon

ماذا لو لم يكن رياض سلامة موجوداً في مصرف لبنان؟

 

الأزمة السياسية والوطنية التي يعيشها لبنان منذ مطلع هذا الشهر إثر استقالة الرئيس الحريري المفاجئة لا تقلّ شأناً وأهمية وخطورة عن أزمات مرّ بها منذ 12 عاماً على الأقل ولا نبالغ إذا قلنا ان الوضع المعقّد والملبّد الذي نشهده هذه الأيام مشابه لذلك الوضع الذي نشأ بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ويعيد الى الأذهان هذه الحقبة السوداء التي «تنذكر وما تنعاد».

وكان من الطبيعي وتبعاً لطبيعة وجسامة الأزمة المستجدّة أن تعمّ حالة من القلق والاضطراب وأن تساور اللبنانيين الشكوك والهواجس حيال تداعيات ومفاعيل هذه الأزمة التي تهدّد حالة الاستقرار العام.

وكان من الطبيعي ايضاً أن يكون القلق الأكبر متجهاً الى الوضع المالي والنقدي ومدخرات الناس وأن يكون التركيز منصبّاً على استقرار الليرة وعدم حصول حالات ذعر وهلع في الأسواق المالية تترجم الى انهيارات اقتصادية ومالية هي أفظع وأسوأ ما يمكن أن يحدث في هذه المرحلة.

ولكن حالة القلق والخوف لم تدم طويلاً بعدما أيقن الجميع ان الوضع النقدي والمالي بيد امينة وهو محصّن ويتمتّع بكل مقوّمات القدرة على الصمود ومواجهة كل التحدّيات والأزمات، وهذا يعود الفضل فيه الى صمام الامان النقدي في لبنان رياض سلامة الذي كان يتحضر لكل طارىء في الوقت الذي كان بعض «الفلاسفة والمنظرين واصحاب المصالح الخاصة» ينتقدون طوال الاشهر الماضية هندساته المالية ويهاجمونه شخصياً فيما هو صامت غير آبه لهذا الكلام لأنه واثق من قدراته وخططه وسياساته و«هندساته» المالية التي تشكّل في مجموعها «شبكة أمان» للأوضاع المالية والنقدية والمصرفية وتخفّض درجة ونسبة المخاطر الى الحدّ الأدنى.

حاكم مصرف لبنان تصدّى للوضع المستجدّ من اللحظة الأولى وقام باتخاذ ما يلزم من إجراءات، وكان كافياً أن يطلق سلامة تأكيدات وتطمينات حتى يتفاعل معها الناس القلقين على مدخراتهم وجنى عمرهم ايجاباً، فهناك علاقة عميقة مبنية على ثقة مطلقة من جانب الناس بهذا الحاكم الاستثنائي، وعلى التزام تام من جانب الحاكم بمصالح اللبنانيين وأمنهم المالي والاقتصادي والاجتماعي.

لم يساورنا كلبنانيين أدنى شكّ في أن رياض سلامة سيكون قادراً على تجاوز هذا الاختبار القاسي والمفاجىء، هو الذي سبق له أن تعاطى مع أزمات أشدّ هولاً وخطورة، وراكم خبرات وتمرّس بتجارب صعبة، وأعدّ العدّة الكاملة لمثل هكذا ظروف وأزمات، فإذا كانت أزمة الاستقالة شكّلت مفاجأة على المستوى السياسي ولم يكن السياسيون والمسؤولون جاهزين لها مما أوجد حالة من الإرباك وعدم اليقين، فإن حاكم مصرف لبنان كان جاهزاً للتعامل والتفاعل مع هذه الأزمة كونه كان يتحضر طوال هذه السنة لمواجهة هكذا ظروف لمعرفته ان المنطقة في حال عدم استقرار وغليان والاحتياط بنظر سلامة واجب.

واليوم وبعد ثلاثة أسابيع على الاستقالة لم تُسجّل تحويلات كبيرة الى الخارج ولم يحصل تهافت كبير على شراء الدولار وظلّت عمليات الشراء ضمن حدود طبيعية ومتوقّعة في مثل هذه الظروف.

لقد تم استيعاب الموجة الأولى من تسونامي الاستقالة نقدياً، وهي تكون عـادة الموجة الأصـعب والأخطر، فكانت تطمينات رياض سلامة وخططه العامل الأساسي المساعد في ارتياح الأسواق وكذلك التنسيق مع القطاع المصرفي واحتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية إضافة الى الهندسات المالية للمصرف المركزي، وهكذا نجح رياض سلامة سريعاً في استيـعاب القلق وتطمين اللبنانيين الى استقرار سعر صـرف الليرة والى ان استقالة سعد الحريري برغم القـلق الذي اوجدته سياسياً لن تؤثر في الموضوع المالي، نافياً وجود أي دواعٍ للخوف على الليرة والقلق من الوضع المالي استناداً الى عدّة عوامل أبرزها:

1- إمكانات مصرف لبنان والاحتياطات التي كوّنها خلال أعوام لحماية الليرة من أي اهتزاز ناتج من تطورات وأزمات سياسية أو أمنية، فضلاً عن الهندسات والعمليات المالية الاستباقية التي أجراها والتعاون القائم مع القطاع المصرفي، وبالفعل بلغت موجودات المركزي من العملات الأجنبية مستويات قياسية تاريخية مع وصولها الى عتبة الـ 24 مليار دولار يضاف إليها المخزون الوفير من احتياط الذهب الذي يشكل صمّام أمان للاقتصاد.

2- تأمين نظام محلي آمن ومتطوّر وادارة فوائض السيولة الذي بلغ نحو 20 مليار دولار من خلال إصدار شهادات الايداع وتشجيع التسليف بالليرة اللبنانية، إضافة الى تطوير الأسواق المالية.

3- إدارة الدين العام للدولة بشكل مجد وفعّال على نحو أدى الى الاستمرار في تأمين ملاءة الدولة اللبنانية.

في الختام فعل رياض سلامة كل ما يمكنه وما يجب فعله للحفاظ على قيمة الليرة ومدخرات اللبنانيين وللحفاظ ايضاً على حيوية واستقرار الاقتصاد اللبناني وقدراته على مواجهة الأخطار والتحديات، ولكن على الطبقة السياسية ملاقاته ودعمه، لأن الوضع الاقتصادي والمالي لا يمكنه تحمّل الضربات المتتالية ومعايشة الأزمات الطويلة التي لا يلوح حلّ لها في الأفق… وعلى السياسيين والمسؤولين والنواب والاعلاميين الذين سعى بعضهم الى التشويش على رياض سلامة والتذاكي على اللبنانيين أن يشكروا الله لأن محاولاتهم فشلت وأن يسألوا أنفسهم ماذا لو لم يكن عقل وادارة رياض سلامة موجودين في هذه المرحلة وهل كان بالإمكان السيطرة على الأزمة وتثبيت الثقة والطمأنينة كممر إجباري الى تثبيت الاستقرار النقدي والمالي؟

ايها المتطاولون والحاقدون على رياض سلامة ان سامحكم الله فلن يسامحكم الناس…