مع إنتهاء مهلة التقدم بعروض للمناقصة لإستئجار بواخر لسدّ حاجة لبنان من الكهرباء هذا الصيف، تتجه الأنظار نحو فضّ العروض وعرض النتيجة على مجلس الوزراء لأخذ القرار. وبغض النظر عن التعقيدات السياسية التي سيواجهها خيار البواخر هناك عوامل إقتصادية، إستراتيجية وعملية تُشكّل عقبة في طريق هذا الخيار.
جاء في الخطّة الإنقاذية لقطاع الكهرباء التي طرحها وزير الطاقة والمياه سيزار أبي خليل أنه من المُتوقّع أن يشهد لبنان خلال الصيف المقبل إرتفاعا في الطلب على الطاقة إلى مستويات قياسية دفعت وزارة الطاقة والمياه إلى طرح هذه الخطة الإنقاذية لمواجهة الإرتفاع في الطلب.
هذا الإرتفاع عزاه الوزير إلى الطلب العالي للنازحين السوريين (٤٩٠ ميغاوات أي ما يوازي ٥ ساعات تغذية في اليوم) كما وتوقعات الوزارة بأن يكون الموسم السياحي ناشطا مع أعداد كبيرة من السياح والمصطافين الأجانب واللبنانيين المغتربين.
هذه العوامل دفعت الوزارة إلى تقدير حاجة لبنان خلال فصل الصيف بـ ٨٥٠ ميغاوات اضافية ستؤمّن بحسب الخطّة من خلال إستئجار بواخر.
أرقام إنتاج مؤسسة كهرباء لبنان منذ كانون الثاني ٢٠٠٠ وحتى شباط ٢٠١٧، تُشير إلى أن المُعدّل الوسطي للإنتاج بلغ ٩٣٥ ميغاوات مع قمّة بلغت ١١٩٠ ميغاوات في كانون الثاني ٢٠١٧ وقعر بقيمة ٦٧٤ ميغاوات في آب ٢٠٠٦.
وبالنظر إلى التغيرات الشهرية في إنتاج الكهرباء في العام ٢٠١٦، نرى أن التغيرات خلال فصل الصيف كانت الأضعف خلال السنة (٢٨ ميغاوات كحدّ أقصى) كما أنه لم ترتفع فواتير المولّدات خلال هذه الفترة كثيرًا. وقد يُفسرّ الأمر بفشل موسم السياحة في لبنان العام الماضي، إلا أن المُعطيات السياسية لا توحي بأن موسم الصيف هذا العام سيكون أفضلّ مما كان عليه العام الماضي.
لا شك أن النزوح السوري يستهلك كثيرًا من قدرات كهرباء لبنان. وبالتالي، وبغض النظر عن الكمّية التي يستهلكونها، لا يوجد أي سبب لزيادة في الإستهلاك السوري إلا في ظل فرضية أن يزداد عددهم!
إنتاج كهرباء لبنان تحسّن مع إدخال معملين جديدين إلى العمل في الذوق والجيّة، وهذا الأمر سمح بزيادة التغذية بالتيّار الكهربائي خلال الشهر الماضي. لكن هذا الإنتاج لن يتحسّن في الأشهر المقبلة بإنتظار إنشاء معامل جديدة، لذا أتت فكرة البواخر لسدّ الحاجة، خصوصًا أن المعامل القديمة بدأت تتآكل نتيجة إنتهاء خدمتها. لذا يُطرحّ السؤال عن صوابية خيار البواخر؟
لا شكّ أن هناك إيجابية أساسية في اعتماد حل البواخر، تكمن في سرعة تأمين الكهرباء لأن إنشاء المعامل يحتاج من سنة إلى عدّة سنوات في حين أن البواخر يُمكن جلبها في غضون ثلاثة إلى ستّة أشهر. وباعتقادنا فإن خيار البواخر آت بالدرجة الأولى من منطلق أن المعامل الحالية (القديمة) هي معامل مُتآكلة وقد تتوقّف عن العمل في أية لحظة. وبالتالي فإن هذا الخيار غير مُبرّر بزيادة الطلب خلال فصل الصيف كما توقعته وزارة الطاقة والمياه.
خيار البواخر له تداعيات إقتصادية سلبية، فالأموال التي تُدّفع لإستئجار البواخر تذهب إلى بلد المنشأ التابع للباخرة وبالتالي فإن هذه الأموال تخرج من الماكينة الإقتصادية اللبنانية وتزيد من عجز ميزان المدفوعات مما يعني التأثير السلبي على الليرة اللبنانية.
أيضًا هناك تداعيات سلبية على الأمن الحراري للبنان مع إرتفاع نسبة الكهرباء المولّدة من البواخر إلى حدود الـ ٤٠٪ من مجمل الكهرباء المُنتجة. وحتى لو كان هذا الأمر مؤقّتا، إلا أن الأمن الإستراتيجي للبنان يُصبح مُقيدًا بالموقف السياسي اللبناني خصوصًا أن المرشح الأكثر حظًا للحصول على المناقصة هي الشركة التركية.
وبإعتقادنا، يبقى الحلّ الأنسب هو بإستخدام المولدات الخاصة المُنتشرة على كامل الأراضي اللبنانية حيث أن شراء الكهرباء من هذه المولدات يتمّ بنفس طريقة شرائها من البواخر العائمة التابعة لدول أجنبية.
الإيجابيات لهذا الخيار عديدة، فالأموال التي ستدفعها الدولة اللبنانية للبواخر الأجنبية ستذهب إلى أصحاب المولدات الخاصة في لبنان. وبالتالي مع فرض تشغيل يدّ عاملة لبنانية، ستستفيد الماكينة الإقتصادية اللبنانية على صعيد الإستهلاك وبالتالي سيزيد الإستثمار ومعه الوظائف.
أيضًا يُمكن القول أن الأمن الإستراتيجي اللبناني يفرض أن تكون الكهرباء (وهي العنصر الإستراتيجي الأساسي في الإقتصادات الحديثة) تحت سيطرة الدولة اللبنانية. وهذا الأمر ليس بالصعب من ناحية أن الدولة اللبنانية تملك أداة فعّالة جدًا في يديها وهي أداة التشريع.
وبحسب وزارة الطاقة والمياه تبلغ كلفة الكيلوات ساعة للمولدات ٣٥٠ ل.ل (مُقارنة بـ ١٩٠ ل.ل للبواخر التركية)، وهذا الرقم لا يعكس الكلفة الحقيقية لإنتاج الكهرباء من المولدات الخاصة. لذا يُمكن للدولة أن تُحوّل السعر التوجيهي الذي تُصدره وزارة الطاقة والمياه شهريًا إلى سعر إلزامي لكل صاحب مولّد خاص يريد أن يبيع الكهرباء للدولة اللبنانية (شروط التعاقد).
هذا الأمر مُبرّر بواقع أن لدى المولدات الخاصة قدرة إنتاجية تفوق قدرة الدولة اللبنانية مع ١٥٠٠ ميغاوات حاليًا هي نتاج أعوام من الإستثمارات قام بها أصحاب المولدات الخاصة والتي ستذهب هدراً إذا تمّ إستئجار بواخر. هذا يعني أن لدى أصحاب المولدات كل الدوافع لبيع الكهرباء للدولة وقبول الشروط التي تفرضها الحكومة اللبنانية.
هذا الخيار – أي خيار شراء الكهرباء من المولدات الخاصة – هو خيار شبه إلزامي إذا ما كانت الدولة اللبنانية تّريد المُحافظة على إستثمارات القطاع الخاص. وهو لا يُشكلّ بأي شكل من الأشكال خصخصة لقطاع الكهرباء لأن الدولة اللبنانية هي التي تُدير اللعبة كاملة من خلال مؤسسة كهرباء لبنان.
هذا الأمر سيفتح المجال أكثر للقطاع الخاص للبدء بإستثمارات في معامل تدوم فترة أطول (٢٥ إلى ٣٠ سنة) مقارنة بعمر المولدات الخاصة (٥ سنوات) وفي نفس الوقت يحلّ مُشكلة الكهرباء في الصيف (إذا ما كان هناك من مُشكّلة) في وقت أسرع من الوقت الذي سيتطلّبه إستئجار البواخر.
يبقى القول أن هذا الحل سيمنّع تدهور ميزان المدفوعات وسيسمح لقطاع الكهرباء بالنهوض من خلال إستثمارات لن يتوانى القطاع الخاص عن القيام بها مع التأكيد على خلق فرص عمل لآلاف العُمّال اللبنانيين الذي يتوقون الى إيجاد فرص عمل في لبنان.
في الختام، لا يسعنا القول إلا أن لبننة القطاع الكهربائي خطوة أولى نحو زيادة ثقة المُستثّمرين اللبنانيين في دولتهم ومؤسساتها وبالإقتصاد اللبناني الذي يتوق إلى إستثمارات وحدها كفيلة بإعادة النمو الإقتصادي إلى ما كان عليه في أعوام المجد أي ٢٠٠٧ إلى ٢٠١٠.