«نحن لسنا في ملعب فوتبول، نحن في المحكمة!». بنبرة حاسمة وصّفَ رئيس المحكمة العسكرية الدائمة العميد حسين عبدالله أجواءَ محاكمة إمام مسجد بلال بن رباح الشيخ أحمد الأسير، أمس، وهو يحاول ضبط الأمور بعدما كادت تخرج عن سياقها الطبيعي. «ما بدنا نتحاكم وفي متّهمين برّا» تعلو أصوات من داخل القفص، فيما وكلاء الدفاع عن الأسير ما لبثوا أن دخلوا إلى الجلسة حتى قرّروا الاستنكاف. وسط الأجواء المشحونة رَفعت هيئة المحكمة الجلسة لتعود وتنعقد بعد ربعِ ساعة معلنةً عن سلسلة قرارات.
باكراً حضرت عائلات شهداء الجيش اللبناني الذين استشهدوا في معركة عبرا إلى بهو المحكمة. إنتظروا بفارغ الصبر بدءَ محاكمة الأسير والمدّعى عليهم في الملف، مرّةً رصَدت عيونهم عقارب الساعة ومراراً تأمَّلت ورشة الصيانة التي تشهدها المحكمة، والترميم من الخارج. فتنهّدت إحدى الأمّهات الثكالى قائلةً: «لو هالنَفضة بتِشهدا المحكمة من جوّا شو عَبالنا؟»، معربةً عن خوفها من أن ينتهي عمرها قبل أن تنتهي المحاكمات.
في التفاصيل
منذ الصباح، أوحى حضور وكلاء الدفاع عن الأسير إلى المحكمة، رغم مقاطعتهم الجلسات، بأنّ الجلسة لن تكون روتينية وأنّ شيئاً ما يُحضَّر. عند الساعة الثانية عشرة إلّا ربعاً افتتح رئيس المحكمة العسكرية الدائمة العميد حسين عبدالله الجلسة بمعاونة القاضي المدني محمد درباس وفي حضور مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي هاني حلمي الحجّار. نادى عبدالله بدايةً «أحمد هلال الأسير الحسيني»، فأجاب «نعم» وهو يهمّ للمثول أمام هيئة المحكمة مستجيباً لكلمة الرئيس «تفضّل».
بَدت ملامح الأسير منفرجةً، غير شاردِ الذهن كالعادة، وكأنّه مستأنس بحضور وكلاء الدفاع عنه. فسأله عبدالله: «مين موكّليك؟»، فأشار الأسير إلى المحاميَين محمد صبلوح وأنطوان نعمة، فانتقل إلى تعداد المدّعى عليهم في القضية.
وبينما كان يهمّ عبدالله للاستجواب، طلب أحد وكلاء الأسير المحامي أنطوان نعمة الكلام، وأبرزُ ما قاله: «في 5 آذار عرضَت قناة الجزيرة حلقةً تحت عنوان «ما خفيَ أعظم… من أطلقَ الرصاصة الأولى»، وهي تُشكّل وثيقةً حيّة تدعَم الإخبارين اللذين سبقَ وقدّمناهما، لذا قدّمنا إخباراً ثالثاً أمام النيابة العامة التمييزية، وطلبنا التحقيقَ بمضمون التقرير.
وعملاً بضميرنا المهني وبما تتضمّنه الإخبارات، فإنّنا لن نستكمل السير بالمحاكمة من دون أن تمثلَ الجهة مكتملةً أمام القوس الكريم، وسنستمرّ بالاستنكاف».
– الحجّار: «بصرف النظر عن مضمون الإخبار، نحن لسنا في نشرة أخبار، ولا يمكن تعطيل الجلسة تحت ستار إخبار أو ريبورتاج، على المُتّهم أن يواجه التهَم أمام المحكمة».
– عبدالله: «إفسحوا المجال لسير الجلسة فيتسنّى للأسير الدفاع عن نفسه، فالعدالة لا تتحقّق بعرقلة الجلسة، والسير بها لا يَمنع التحقيق بالإخبار».
– نعمة: «جوهر الملف من أطلقَ الرصاصة الأولى، وهناك طابور خامس في الملف يُظهر المجرمين الفعليين».
هرج ومرج… في القفص
وسط رغبة عبدالله الشديدة بالسير بالمحاكمة، وتملمُل الهيئة من وكلاء الدفاع «لعرقلتِهم العدالة منذ العام 2014»، قرّر وكلاء الدفاع الاستنكاف عن الحضور، مشيرين إلى أنّ موقفهم يشمل «معظم» وكلاء الدفاع في ملف عبرا.
وهنا طلبَت المحامية عليا شلحا، وكيلة عدد من الموقوفين في الملف، الكلام: «بعض أهالي الموكلين طلبوا منّا الانسحاب إلى حين البتّ بالإخبار، والسرعة ليست هي الأساس». فردَّ عبدالله: «منذ 3 سنوات ونحن من إخبار إلى إخبار، لماذا قبل توقيف الأسير كانت الاستجوابات تسير بشكل طبيعي؟».
بعدها قالت المحامية جوسلين الراعي وكيلة بعض الموقوفين: «نستمهل للمناقشة مع الموكلين». أمّا الحجّار فقال: «نترك للرئاسة القرار، ولكن لا يمكن ربط الإخبار بموضوع المحكمة، نطلب ردّ أيّ استمهال بصرف النظر عن المضمون لأنه منفصل قانونياً عن المحكمة».
تزامناً مع إعلان الدفاع عن موقفهم، علت أصوات بعض المساجين الناقمين، فأطلقوا العنانَ لصرخاتهم من دون أن يطلبوا الكلام: «هناك متّهمون خارج المحكمة، لماذا لا يتمّ استدعاؤهم؟، نرفض محاكمتَنا». ما دفعَ عبدالله إلى تنبيه أحدهم: «وَطّي صوتك، بَس إسألك بتجاوب». بعدها نَظر إلى وكلاء الدفاع فأكّدوا رغبتَهم في الانسحاب، وخرجوا.
النتيجة؟
وقرابة الساعة الثانية عشرة والربع رَفعت المحكمة الجلسة للمذاكرة نحو ربع ساعة، بعدها قال عبدالله: «نظراً لغياب وكلاء الدفاع المتكرّر وانسحابهم من الجلسة، وانسحاب عدد من وكلاء دفاع آخرين، وإنفاذاً لقرارات المحكمة وتطبيقاً للمادة 59 من قانون القضاء العسكري ستكلّف المحكمة محامي عسكري عن كلّ متّهم لا يمثل موكله».
وقبل إرجاء الجلسة إلى 25 من الشهر الجاري، طلبَ الأسير الكلام: «حضرة العميد عندي شِي إحكيه، منذ بدء المحاكمات إلى حين توقيفي هل استُدعيَ شاهد واحد؟ معقول قضيّة مِتل هالقضية لم يتمّ استدعاء أحد؟ فردَّ عبدالله: «في حال طلب وكيل الدفاع أيّ شاهد، فالمحكمة ستؤمّنه، «بَس تمشي المحاكمة طلوب الشاهد لبدَّك ياه، ومنشوف إذا منجيبو».
هذا ما يُعدون له…
من جهته، قال أحد وكلاء الأسير المحامي صبلوح لـ«الجمهورية» «إنّ التدبير الذي اتّخَذته المحكمة غير قانوني، وهي تلوّح به منذ 4 جلسات من دون تطبيقه». وأضاف: «إجتمعنا كوُكلاء دفاع في ملفّ عبرا ونظّمنا إخباراً جديداً مَن أطلقَ الرصاصة الأولى، مستندين إلى أدلّة، وسلّمناه إلى النيابة العامة التمييزية، وقد نال توقيعَ نحو 90 في المئة من وكلاء عبرا، لذا اتّفقنا مع وكلاء الدفاع على الاستنكاف إلى حين البتّ به».
وأضاف: «هناك تمييز بين المواطنين اللبنانيين من النيابة العامة العسكرية، مسلّح تُصنّفه إرهابياً، وآخر لا تقترب منه ولا تدَّعي عليه، رغم أنّنا قدّمنا كلّ الأدلّة التي تُبيّن مَن أطلقَ الرصاصة الأولى».
وعمّا يُميّز الإخبار الأول عن الثاني والثالث، أوضح صبلوح: «الأول فيه أدلّة صور وفيديو، الثاني يتضمّن تصريح المدّعى عليه علي الجعفيل، والثالث تقرير الجزيرة وما أظهرَه من أدلّة ومكالمات لاسلكية تمَّت بين مقاتلي حزب الله».
أمّا عن الخطوات المرتقبة لهيئة الدفاع فقال: «سنُكثّف جهودنا، ولقاءاتنا مع سياسيين وأمنيين، ومرجعيات روحية، لتوضيح أسباب مقاطعتنا، باسمِ وكلاء موقوفي عبرا، وليس باسمِ وكلاء الأسير».
ختاماً، وبعد مراجعة سريعة لمضمون المادة 59، يتبيّن أنّه «إذا لم يُعيّن المدّعى عليه محامياً، أو إذا تَعذّر على محاميه الدفاع عنه، فعلى رئيس المحكمة العسكرية أن يعيّن له محامياً من الضبّاط أو المحامين، أو أن يطلب من نقيب المحامين تعيينَ محامٍ لتأمين الدفاع عن المدّعى عليه».
أوّلاً سبقَ ووجّهت المحكمة كتاباً مراراً إلى نقابة المحامين، من دون أن تَردّ الأخيرة، ثانياً من الواضح أنّ المحكمة اجتهدت لجهة «إذا تعذّرَ على المحامي الدفاع عن المدّعى عليه»، لتلجَأ إلى تعيين محامٍ عسكري، فهل يكون اجتهادها بمثابة «الخرطوشة» الأخيرة أو أنّ في جعبتها خطواتٍ أخرى تُخفيها إلى الوقت المناسب، ومن شأنها أن تُعيد وكلاء الدفاع عن مقاطعتهم؟