عن حسابات عون والحريري و«المردة» و«القوات»
ماذا لو كانت حكومة الانتخابات هي الأهم؟
لم يتجاوز الوقت الذي استغرقته حتى الآن مفاوضات تشكيل الحكومة الاولى في العهد الجديد حد المهل الطبيعية، بل هو لا يزال بعيدا جدا عن «الارقام القياسية» التي كانت تسجلها مفاوضات التأليف في السابق، حين كانت ولادة بعض الحكومات تحتاج الى أشهر طويلة من الأخذ والرد، بل إن بعضها وُلد في نهاية المطاف بـ «التلقيح الاصطناعي».
بهذا المعنى، وقياسا الى تجارب الماضي المريرة، لا يزال من المبكر الكلام حول دخول مسار التأليف في «أزمة سياسية» مستعصية ومعقّدة. وحتى تلميح البعض الى ان التأخير الحاصل في إنجاز التشيكلة الحكومية هو متعمّد و«خبيث»، بهدف استنزاف وهج العهد الجديد، يبدو اتهاما سياسيا أقرب الى «محاكمة النيات» منه الى محاكاة الواقع.
مع ذلك، يتطلع الرئيس ميشال عون الى إرساء تقاليد وأنماط جديدة في مقاربة الاستحقاقات والملفات، وبالتالي هو صاحب مصلحة حيوية في الإسراع في تشكيل الحكومة، لأنه يكرّس بذلك «شخصية» العهد الجديد، ويعطي إشارة في اول الطريق الى ان هذا العهد يحمل معه نهجا مغايرا وليس رئيسا جديدا بالاسم فقط.
وإذا كان من الصعب القفز في المدى المنظور فوق الاعراف اللبنانية، التي تستوجب التوافق والتوازن وتدوير الزوايا و «المحاصصة العادلة» عند تشكيل الحكومات، إلا أن التسريع في إنجاز هذه «الخلطة» المعقّدة من شأنه ان يشكّل، ولو من الناحية الرمزية، فارقا يُحسب للعهد، بالمقارنة مع التجارب السابقة.
وعلى هذه القاعدة بالذات، تبدو كل دقيقة تمر، منذ تكليف الرئيس سعد الحريري، من دون إنجاز الحكومة بمثابة «وقت ضائع» من عمر الولاية الرئاسية، لكن، للقوى الأخرى حسابات مختلفة، تدفعها الى عدم الاستعجال في تقديم التنازلات الوزارية، ومجاراة العهد في إيقاعه، ولو أن الحكومة المقبلة تكاد تقتصر مهمتها المحورية على إتمام الاستحقاق النيابي في موعده، بأفضل الشروط الممكنة، ما يعني ان الاشهر الفاصلة عن أيار المقبل تبدو «انتقالية»، وتستوجب نظريا ابداء المرونة والليونة في التعامل مع ملف التشكيل الحكومي.
لكن، وبرغم ان الحكومة المقبلة هي «عابرة»، وقصيرة العمر، إلا ان هناك العديد من الاعتبارات التي تدفع الاطراف الداخلية الى عدم التساهل، وأهمها:
ـ حرص الجميع على ان يكونوا ممثلين في حكومة ستتولى تحديد مسار الانتخابات النيابية، سواء لجهة وضع قانون جديد، او الابقاء على الستين، او التمديد، وبالتالي فإن كل فريق معني بأن يشارك من موقع وازن في رسم معالم المرحلة المقبلة، حتى يحمي مصالحه.
وانطلاقا من هذا المعيار، فإن الحكومة المقبلة قد تكون الاهم بالنسبة الى اللاعبين المحليين، خلافا للشائع. إذ ان الانتخابات النيابية هي التي ستعيد تكوين السلطة المقبلة وستحدد أحجام هؤلاء اللاعبين فيها، ولذا لا أحد يتقبل ان يبقى في هذا التوقيت خارج مركز القرار او على هامشه، لاسيما إذا كان مجلس الوزراء سيضع مشروع قانون انتخابي جديد، يتوقف على طبيعته (النظام الانتخابي وتقسيم الدوائر) مصائر الاطراف الداخلية وحدود مكتسباتها.
ـ حاجة بعض القوى الى تعزيز حضورها، كمّا ونوعا، في الحكومة المقبلة، حتى تثبت لنفسها ولجمهورها بأن القرار الذي اتخذته بدعم ترشيح عون الى رئاسة الجمهورية كان مصيبا، وانها بدأت في قطف ثمار هذا الخيار الاستراتيجي، في الحقل الحكومي بداية، على ان يستمر الحصاد لاحقا في الادارة والانتخابات النيابية، عملا بمقتضيات الشراكة في صناعة العهد، كما تفترض «القوات اللبنانية» على سبيل المثال.
وفي المقابل، فإن «تيار المردة» يبدو معنيا كذلك بأن يحسّن موقعه في الحكومة الجديدة، استنادا الى الوزن السياسي الاضافي الذي اكتسبه من الانتخابات الرئاسية، حتى بات يصح القول إن سليمان فرنجية بعد الاستحقاق الرئاسي ليس كما قبله. صحيح انه لم يصل الى قصر بعبدا، إلا ان الصحيح ايضا انه لامس تخومه بعد ترشيح الرئيس سعد الحريري له، وأن تحالفه مع الرئيس نبيه بري أصبح الآن أقوى مما كان عليه في الماضي، وهذا كله يرتب ان يكون حضور «المردة» في اي تركيبة حكومية، متناسبا مع الـ «لوك» السياسي الجديد، كما يعتقد البعض.
ـ تفترض القوى السياسية أن الحكومة الاولى في العهد يجب ان تشكّل فرصة لتثبيت مواقعها وحصصها وفق أفضل المواصفات الممكنة، وصولا الى تكريس أمر واقع يبنى عليه عند تشكيل الحكومات اللاحقة، كنوع من أداة قياس تُستخدم في تحديد الاوزان والحقوق في ما بعد. وعليه، فإن هناك من يخوض منذ الآن معركة استباقية، مراهنا على ان تأتي نتائج الانتخابات النيابية متناغمة مع تطلعاته وطموحاته.