IMLebanon

ماذا لو خرجت تركيا من «الناتو»؟

بعد فترةٍ من القطيعة بين روسيا وتركيا بسبب إسقاط أنقرة مقاتِلةً حربية روسيّة على الحدود السورية وقطعِ العلاقات الاقتصادية والسياحية وغيرها، وبعد تبادُل الاتهامات المتعلقة بالوضع السوري خصوصاً، ها هي العلاقات الروسية – التركية تعود تدريجاً إلى مجراها الطبيعي، فبَعد تقديم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الاعتذار للرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن إسقاط المقاتلة، أعلن أردوغان أمس عن زيارته موسكو في 9 آب الحالي، حيث من المفترض أن يكون لقاؤه مع بوتين محطَّ اهتمام العالم، خصوصاً بعد التقارير عن إنقاذ الروس للرئيس التركي من الانقلاب الفاشل الذي يمكن أن تكون أميركا متورّطة فيه.

شدّد الأستاذ المحاضر في العلاقات الدولية الدكتور وليد الأيوبي، في حديث لـ«الجمهورية»، على «وجوب التركيز على أهمية العامل الجيوسياسي وتأثيره على خيارات الدول وأولوياتها وتحديد توجّهات مصالحها وكُلّ القضايا ذات الصلة، لأنّ العلاقات التركية – الروسية تَحكمها عوامل عدة»، مضيفاً أنّ «أهمّ هذه العوامل هو الجغرافيا والتاريخ، فالدولتان تتميّز علاقتهما عبر التاريخ بكثير من الاضطراب والتوتّر، إذ لا يمكنهما كبحُ جماح العلاقات التحتية، أي بين الشعوب (الشعبَين التركي والروسي) والمتداخلة في التاريخ والثقافة والمصالح… إلخ)».

وتابَع: «نعرف أنّ تركيا «أطلسية» تدور في فلك حلف شمال الأطلسي «الناتو» والأميركي، غير أنّ هذا لا يستطيع منعَ التقارب الروسي – التركي بسبَب العلاقات الجغرافية، مع أنّه يحاول منعَه»، موضحاً: «مِن جهة أخرى، ترتدي هذه العلاقة بُعداً خاصّاً استراتيجياً حاليّاً، يتمثّل بهذا الذي نُسمّيه النزاع الجيوستراتيجي والجيوسياسي على النفط والغاز»، مؤكّداً أنّ «هذا الموضوع هو محور كُلّ ما يحصل في الإقليم من إضرابات، فهناك نزاع روسي – أميركي على الغاز، وتركيا تُشكّل عقدةَ مواصلات».

ولفتَ الأيوبي إلى أنّ «موقعَ تركيا الجغرافي لا يتحقّق أمنياً لأيّ موقع في العالم. فهي على عقدة تواصُل بين آسيا وأوروبا وبين الحضارات المختلفة، ولدى موقعها الجغرافي أهمّية غبر مسبوقة حاليّاً بسبب النزاع على النفط والغاز»، مشيراً إلى أنّ «هناك نزاعاً على وسط آسيا التي تتشكّل من دوَل مليئة بموارد طبيعية، ولا سيّما الغاز.

ولدينا بحر «قزوين» الذي تجاوره دول أهمُّها روسيا وإيران وأخرى موالية لأميركا». وأوضَح أنّ «هناك نزاعاً بين هذه الدول لإمرار الأنابيب وصولاً إلى قلب أوروبا وغربها».

وقال: «عندما كان هناك توتّر في العلاقات التركية الروسية، كان هناك «بلوك» أميركي تركي على ما يُعرف بخط السير التركي الذي هو مشروع روسي، لكن لا يمكن إمراره إلّا عبر الأراضي التركية». وأكّد أنّ «العلاقات الجيّدة بينهما هي شرط إلزاميّ لإمرار هذا الأنبوب الغازي».

إذاً دلالات هذا اللقاء المرتقَب تعني ابتعاداً تركيّاً عن «الأطلسي»، ليس رسمياً بل عملياً، لأن لا يمكن لتركيا مغادرة «الناتو»، ما قد يُسبّب حرباً عالمية. والعملية ستستغرق وقتاً، وفقَ ما أفاد الأستاذ المحاضر في العلاقات الدولية. وأضاف أنّ «الجغرافيا تَحكم السياسة والتاريخ» مثلما قال الزعيم الفرنسي نابليون بونابرت، ويمكن القول أيضاً إنّ الجغرافيا والتاريخ تتحكّمان بالحاضر والمستقبل».

سوريا

أمّا في ما يتعلّق بالموضوع السوري، فأكّد الأيوبي أنّ «روسيا لا تتخلّى عن سوريا، لأنّ الوجود الروسي له أبعاد عديدة، منها البُعد الاستراتيجي، فالنفط يجب أن يمرّ عبر سوريا ليصلَ إلى المتوسّط، وبُعدٌ ديني لأنّ سوريا هي قلعة الأرثوذكس في العالم، وهذا يزيد الأمورَ تعقيداً والموقفَ الروسي تصلّباً».

وأشار إلى أنّ «سوريا خطّ أحمر لروسيا، فتَعتبرها موسكو جزءاً من الجمهوريات الروسية، بمعنى مِن المعاني»، معتبراً أنّ «التقارب الروسي – التركي هنا سيَكون على أساس تسوية لا تُخرج سوريا من دائرة المصالح الروسيّة».

وتابع أنّ «التسوية ستكون على الأساس التالي إذا سمحت واشنطن بها، أي عبر طمأنةِ تركيا لجهة غضّ الطرف عن الملفّ الكردي ورفض إقامة دولة كردية مقابل تسهيل أنقرة عملية السيلِ التركي للغاز»، مشيراً إلى أنّ «سوريا ستبقى موحّدة ترابياً، لكن تحت المظلة الروسية، وقد يكون هناك تغيير بالشكل للنظام السوري إرضاءً لأميركا، غير أنّه سيبقى موالياً للروس».

واعتبَر أنّ «موشّرات هذه التسوية هي أنّ العلاقات الروسية – الإيرانية ليست جيّدة ومستتِبّة في الملف السوري، وهناك تناقضات بين الطرفين، ما يُعزّز الدورَ الروسيّ في الإقليم ويُقصي الدور الإيراني»، مستدركاً: «يبدو أنّ روسيا لا تريد هزيمةً نهائية للمعارضة السورية المسلّحة المدعومة من تركيا الموجودة في حلب وغيرها من المدن، لذلك نرى حركة الطيران الروسي توحي بأنّها لا تريد حسماً للنظام أو المعارضة، حتى يكون هناك تسوية ترضي الجميع ولا تخرجها من المعادلة».

الانقلاب الفاشل

إلى ذلك، شدّد الأيوبي على «عدم استبعاد أن تأخذ العلاقات بين البلدين بُعداً استراتيجياً، لأنّ الأميركيين معروفة سياستُهم في المنطقة وعلى أيّ أساس تَستند، ومعروف مدى انغماسهم في الانقلاب الفاشل، وفق التقارير»، مضيفاً: «لذلك أتوقّع تعميقاً للعلاقات الروسية التركية، لكن أيضاً إنغماساً أشدّ للولايات المتحدة في تركيا، وأتوقّع انقلاباً قد يطيح بأردوغان نهائياً هذه المرّة أو حرباً أهلية أو غيرها من الخيارات، لأنّ أميركا لن تتركَ تركيا ترتمي في أحضان روسيا، ما قد يُشكّل خطراً كبيراً على المنطقة».