كدمات، آثار تعذيب، وتنكيل، وضحيّة مذعورة، ربّما مغتصَبة إن لم تكن ميتة! أثارت قضية اكتشاف جثة الدبلوماسية البريطانية ريبيكا ديكس الذعر وخصوصاً في نفوس الأمهات والآباء الخائفين على بناتهنّ، وخلّفت الحادثة الرهيبة موجات غضب عارم في الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي لبنانياً وعالمياً.
ديكس ليست المرأة الوحيدة التي يعتدي عليها وحشٌ بهدف سلبها أو التحرّش بها أو اغتصابها وينتهي دفاعها عن نفسها بمقتلها على يد الجاني. قتل سائق تاكسي لبناني للشابة البريطانية بعد أن حاول الاعتداءَ عليها، ورمي جثتها على أوتوستراد المتن السريع، سبقها منذ بضعة أشهر في لبنان مقتل الشابة ريا الشدياق على يد ناطور بيت أهلها بعد أن اعتدى عليها، كما تعيد هاتان الحادثتان إلى الأذهان مقتل الشابة ميريام الأشقر منذ سنوات في ظروف مشابهة.
صمت ثقيل!
الاعتداءات الجنسية لا تنتشر في لبنان فقط بل في معظم دول العالم، ولكن ما نعرفه منها هو قلة قليلة. أحداث مماثلة كثيرة تنجو فيها الضحية من القتل بأعجوبة، فتبقى كل مجرياتها طيَّ الكتمان. غالباً ما لا تخرج قضايا التحرّش بالنساء واغتصابهن إلى العلن، إلّا إذا انتهت بفاجعة مقتل الضحية. ولكن، الأرقام تكشف أنّ نسبة ترويع النساء والاعتداء عليهن جنسياً في الأماكن العامة أو حتّى داخل الجدران والأبواب الموصدة في لبنان والعالم عالية ومرعبة.
إن وقعتِ ضحيّة التحرّش أو الاعتداء الجنسي في لبنان، فاعلمي بأنّ حوالى ربع نساء لبنان يعانين هكذا اعتداءات بحسب أحدث دراسة أجرتها منظمة أبعاد، إذ تؤكّد الدراسة أنّ امرأةً من أصل 4 نساء تتعرّض لأحد أشكال الاعتداء الجنسي. في المقابل، تتّجه فقط 13 امرأة شهرياً إلى المخافر في كل لبنان للإبلاغ عن تعرّضهن للاعتداءات الجنسية، وهي نسبة ضئيلة جداً مقارنةً بعدد الضحايا.
الأرقام لا تبشّر بواقع أفضل في عدد من الدول الأوروبية أيضاً، حيث تكشف دراسةٌ أجرتها اليونيسف في فرنسا عام 2014 أنّ امرأةً من بين كل 5 نساء تعرضت لاعتداء جنسي في هذا البلد الأوروبي، وفي 94 في المئة من الحالات كان المعتدي من أقارب الضحية. وتوضح الأرقام الفرنسية أنّ امرأةً واحدة فقط من كلّ عشر نساء تبلّغ السلطات إذا تعرّضت للاغتصاب أو لمحاولة الاغتصاب أو لأيِّ شكل من أشكال الاعتداء الجنسي…
إلى متى الصمت؟!
تلتزم النساء الصمت و«التستّر» على مآسيهنّ، لتفادي نظرات المجتمع، أو خوفاً من تهديدات الجاني، ولكن خصوصاً لأنهنّ يتعرّضن للوم من قبل العائلة أو حتّى السلطات. وكم من امرأة تمّ تحميلها مسؤولية الاعتداء عليها عن طريق اتّهامها بإغواء الجاني، أو بالتواجد خارج البيت في ساعة متأخرة… ويصوّر المجتمع الذكر وكأنّه وحش كاسر يمكنه أن يهجم على أيّ «قطعة لحم أنثوية متوفرة أمامه»!
نعم، ينصحها أهلها بالسكوت أو يجبرونها عليه وتضغط عليها المنظومة الاجتماعية المشبّعة بالتمييز ضدها، فيفلت الجاني من العقاب وتغرق هي في بحيرة الشعور بالغبن، والذنب، والقهر…!
ولكن ماذا لو بلّغت؟ هي حتّى لو اتّخذت هذه الخطوة المنصفة بحقها، تبقى العقوبات على المعتدي هزيلة وتقتصر على بضع سنوات من السجن سرعان ما يخرج بعدها. وقد يكلف الضحية عناء مواجهة المجتمع للتبليغ ولتخطّي مأساتها، أكثر من ما يعاني المرتكب من العقاب!
ماذا عن القانون؟
صحيح أنّ مَن يقتل امرأة بعد محاولة الاعتداء عليها جنسياً تطبَّق عليه عقوبة جرائم القتل التي تصل إلى حكم الإعدام في لبنان، ولكن في حال تعرّض المرأة للاغتصاب فقط، تنصّ المادة 503 من قانون العقوبات أنّ «مَن أكره غير زوجه بالعنف والتهديد على الجماع عوقب بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات على الأقل. ولا تنقص العقوبة عن سبع سنوات إذا كان المعتدى عليه لم يتم الخامسة عشرة من عمره».
كما تشير المادة 507 من قانون العقوبات على أنّ «مَن أكره آخر بالعنف والتهديد على مكابدة او إجراء فعلٍ منافٍ للحشمة عوقب بالأشغال الشاقة مدة لا تنقص عن أربع سنوات».
في هذا الإطار، تطالب الجمعيات النسائية برفع العقوبات على المعتدي والمغتصِب في لبنان ما يردعه من ممارسة أبشع أنواع التعذيب بضحية صودف تواجدها على طريقه، فاستقوى عليها وآذاها.
وتؤكّد المحامية دانيال حويك من منظمة «أبعاد» في حديث لـ«الجمهورية» أنّ «البابَ السابع من الفصل الأول من قانون العقوبات اللبناني يتطلّب إعادة دراسة لتشديد العقوبات على الجاني ووضع الإضافات، وهذا ما سنفعله في السنة الجديدة».
وتشدّد على أنّ «5 سنوات من السجن على جرم الاغتصاب ليست عقوبة رادعة». وتلفت أيضاً، إلى أهمية «إيجاد الأطر والآليات المناسبة التي تشجّع النساء على التبليغ في حال تعرّضهن للاعتداء».
إلى ذلك، لا تعتقد الحويك أنّ «القوانين والعقوبات المتساهلة مع المغتصب هي السبب الرئيس وراء إقدامه على الاعتداء الجنسي والاغتصاب، إنما قد يكون لها دور، لذا لا يكفي العمل على تطوير القوانين فقط بل يجب العمل على أكثر من صعيد».
ماذا تفعل؟
إلى ذلك، تناشد الحويك أيَّ فتاة تتعرّض للاعتداء الجنسي أو الاغتصاب بـ«التوجّه مباشرة لتلقّي الإسعافات الأوّلية في أقرب مركز صحّي، والتبليغ عن الحادثة في أقرب مخفر لأنّ المجرم يجب أن يعاقَب».