Site icon IMLebanon

ماذا في طيّات البيان الأخير للحريري ولماذا لم يتعامل “حزب الله” معه كمُبادرة؟

يكاد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط يكون الطرف السياسي الوحيد الذي اسبغ على البيان الطويل للرئيس سعد الحريري، رتبة المبادرة التي ينبغي البناء عليها. في حين ان رئيس مجلس النواب نبيه بري، آثر، على طريقته المعهودة، اعطاء وصف مختلف وحمّال أوجه للبيان اياه، عندما سئل عنه اذ قال: “كله على بعضه حلو”.

هذا الكلام، دفع بعض المراقبين الى اعتباره نوعاً من التهرب من اعطاء جواب جاد فضلا عن انه ربما يكون كلاما من النوع الجميل، أما الفعل والتاثير فلهما حساب آخر وفضاءات أخر.

المعني المباشر ببيان الحريري وهو “حزب الله”، لم يكلف نفسه عناء التعليق عليه ولم يبدِ احتفاء به ولم يرفضه في الوقت عينه.

ليست المرة الاولى التي يطلق الحريري وبعض رموز تياره ومنهم الرئيس فؤاد السنيورة، ما يمكن ادراجه في خانة المبادرة السياسية التي تحمل عنوان مد اليد الى الطرف الاخر لبدء رحلة بحث عن حلول لأزمات وملفات خلافية وطنية متراكمة وفي مقدمها ازمة الشغور الرئاسي، فتلك سمة الطرف الذي يتصرف وكأنه المسؤول الاول او انه “ام الصبي” بصرف النظر عن مآل هذه المبادرات المتتالية وجدواها ودوائر التفاعل معها.

واذا كان من الطبيعي ان يبادر النائب جنبلاط الى الاشادة ببيان الحريري والى رفعه الى رتبة المبادرة السياسية، لا سيما ان مهمته صارت في الآونة الأخيرة السعي الحثيث الى فتح كوة في الجدران السياسية والى الرهان على تقارب ممكن حصوله بين قطبي اللعبة السياسية في البلاد، اي “تيار المستقبل” و”حزب الله” عسى ولعل تنجلي الغمامة الداكنة التي تظلل الاجواء السياسية منذ زمن، او على الأقل تخفض وتيرة الاحتقان الداخلي، كذلك ليس مفاجئاً ان يتجاهل الطرف الآخر، وتحديداً “حزب الله”، مضمون بيان الحريري سواء حمل رتبة بيان اومقام مبادرة. فهذا الطرف يعي ضمناً ان زمن الداخل والاقليم على السواء ليس زمن مبادرات اوحلول وصولا الى تسويات، بل هو زمن صعود نحو ذروة التأزيم والاحتدام في لحظة اشتعال المواجهات من لبنان الى باب المندب على البحر الأحمر، فضلاً عن انها لحظة التصويب على المعتقدات وهو كان حتى الأمس نوعاً من التابوات.

اضافة الى ذلك، فان الطرف الآخر يقيم على رؤية فحواها ان البيان كتب بلغة مختلفة نسبيا كونها تنطوي على مرونة، وان فيه لمسات مغايرة للسابق، لكن مصدره لم يطلقه ليكون فاتحة حوار ونقاش وصولاً الى حلول، بل ان الحريري شاءه في لحظة احتدام المواجهات في الشمال بين الجيش والمجموعات والخلايا التكفيرية لكي يعزز مقولة انه يجسد الاعتدال السني الذي وفر للجيش الغطاء الطائفي اللازم ليقدم على الفعل الذي شرع فيه لحظة تنفيذه عملية عاصون في الضنية وصولا الى باب التبانة في عمق طرابلس العتيقة، وهي عملية انتهت بشهادة ذوي اختصاص بتوجيه ضربة موجعة الى الارهاب ورموزه وخلاياه على نحو أفضى الى واقع باتت المصادر العسكرية تتحدث عنه على اساس انه احكم الطوق على الارهاب في كل لبنان وجعله يعيش أسوأ اوقاته منذ ان بدأ بالتسلل الى هذه الساحة وغزو بيئات بعينها قبل اكثر من 3 سنوات.

وبهذا المعنى فان للبيان اياه وظيفة سياسية تسعى لتكرس مقولة ان الحريري وتياره هما من اسبغا الغطاء المطلوب توافره ليضرب الجيش ضربته القاصمة من جهة، ولكي يبرئ ذمته من اتهامات أدمن خصمه على محاصرة “التيار الازرق” بها مراراً وتكراراً من منطلق انه يوفر اغطية لبيئات التطرف والارهاب، خصوصاً انه يتخذه من معاقل نفوذه ملاذات آمنة الى درجة ان هذه الاتهامات صارت عقدة ضعف ونقص ملازمة له.

وكذلك ثمة قراءة أخرى لمنطويات البيان في اوساط دوائر القراءة والتحليل في الطرف الآخر جوهرها: اننا تجاوزنا مرحلة الاتهام وصار بمقدورنا ان نضع عيوننا بعيون الاخرين ونقول لهم، ولو من باب اقامة الحجة، تعالوا الى كلمة سواء، علماً ان الجميع يدرك ان ثمة دوافع وأغطية خارجية أمنت للجيش الجرأة على خوض غمار التحدي في الشمال وفي مناطق أخرى.

وفي القراءة اياها ان بيان الحريري يشي في الوقت عينه بأزمة مكتومة لدى “التيار الازرق” خصوصاً في التعامل مع حراك الارهاب في الشمال، فهو بات فعلا تتملكه الرغبة في التخلص من المجموعات الارهابية ومن نموها المطرد في فناء ساحته ولكنه يريد في الوقت عينه ان يحتوي جمهورها.

وفي السياق عينه تدرج اوساط سياسية وعسكرية الكلام الذي سرى أخيراً عن صفقة سياسية اخرجت المسلحين من باب التبانة وسمحت بتهريب رموز المواجهة الثلاثة : المولوي ومنصور وحبلص، وهو كلام ازعج كثيراً قيادة الجيش كونه ينطوي على بعدين سلبيين:

الاول يظهر وكأن الجيش قبل مرة اخرى بنهايات لمعاركه دون مستوى آمال الشريحة الكبرى من اللبنانيين.

الثاني، ان المسلحين لم ينكسروا وان المعركة سارت وفق شروطهم وانهم استتباعا ما زالوا في الميدان غب الطلب.

ومهما يكن من أمر فان بيان الحريري في هذه المرحلة سيلقى مصير ما سبقه، في انتظار مبادرات أخرى وظروف أفضل.