IMLebanon

ما الذي أنجزته محادثات باريس حتى الآن؟

مع قرب انتهاء أعمال مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ لعام 2015 في باريس٬ ومدته أسبوعان٬ أنجز المؤتمر بالفعل نجاحات واضحة في مجالين حيويين.

ومما لا يقل أهمية عن ضرورة التوصل إلى اتفاق عالمي هو أن الجهتين الفاعلتين الأكثر تأثيًرا في تغير المناخ هما المدن والشركات التجارية٬ وأن قادة كلتا الجهتين أوضحوا أنهم لن ينتظروا إبرام اتفاق٬ الذي لن يدخل حيز التنفيذ حتى عام 2020.

فقد نظم رؤساء البلديات والمسؤولون الذين يمثلون أكثر من 500 مدينة في جميع أنحاء العالم٬ قمة خاصة بهم في العاصمة الفرنسية باريس. كانت هذه هي المرة الأولى على الإطلاق التي يجتمع فيها القادة المحليون بهذا العدد الهائل خلال مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ. جاءوا ليس فقط لضمان سماع أصواتهم من جانب رؤساء الدول٬ وإنما أيًضا للتعبير عن عزمهم وإصرارهم على العمل من تلقاء أنفسهم٬ وللتعلم من بعضهم.

وتمثل المدن نحو 70 في المائة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمي٬ وفي حين يناقش بعض رؤساء الدول مسألة أي دولة ينبغي عليها فعل المزيد٬ تقر المدن بأن خفض انبعاثاتها يصّب في مصلحتها. عندما تحسن المدن كفاءة استخدام الطاقة في مبانيها٬ فإنها تحفظ أموال دافعي الضرائب لديها. وعندما تستثمر في البنية التحتية الحديثة منخفضة الكربون٬ فإنها ترفع مستوى معيشة سكانها. وعند اتخاذ جميع تلك الإجراءات مًعا٬ فإنها تجعل المدن أكثر جاذبية للشركات التجارية والمستثمرين.

نادًرا ما يحتاج زعماء المدن للاقتناع بفوائد الإجراءات المتعلقة بالمناخ٬ وفي باريس٬ تعهدوا بفعل المزيد. واليوم سيكون أكثر من 400 مدينة قد وّقعت على «اتفاق رؤساء البلديات»٬ الذي يطالبهم بوضع أهداف مناخية جريئة٬ واعتماد نظام قياس شائع للانبعاثات٬ والإبلاغ علًنا عن تقدمهم في هذا الشأن.

يعتبر اتفاق رؤساء البلديات هو أفضل ضمان نمتلكه ضد تراجع الحكومات المركزية٬ وهو أفضل أمل نمتلكه لتسريع وتيرة التغيير في كل منطقة من مناطق العالم على مدى السنوات الخمس المقبلة.

وسوف يدفع القطاع الخاص الابتكار التقني٬ غير أن وتيرة التغيير تتباطأ بشكل غير طبيعي بسبب فشل السوق: عدم قدرة المستثمرين على التقييم الدقيق للشركات التي تنطوي على مخاطر متعلقة بالمناخ.

ارتفاع مستوى سطح البحر٬ والعواصف٬ وموجات الجفاف.. جميعها أمور لديها آثار سلبية على الشركات التجارية: تأخير الشحن٬ وعرقلة خطوط الإمداد٬ والإضرار بالمنشآت. ومع ذلك٬ غالبا ما يعمد المستثمرون إلى غض الطرف عندما يتعلق الأمر بهذه المخاطر وغيرها من المخاطر المتعلقة بالمناخ.

وعموما لا يمكن للمستثمرين استثمار أموالهم بفعالية٬ دون بيانات موثوقة حول المخاطر التي يواجهونها. وعلاوة على ذلك٬ في ظل انتقال العالم إلى الاقتصاد منخفض الكربون٬ سوف تحدث تحولات هيكلية في الصناعات المنتجة لكميات كبيرة من الكربون٬ مما سيؤثر على نموها وتوظيفها. ينبغي أن يكون لدى المستثمرين معلومات موثوقة حول الشركات المعرضة لتلك التحولات٬ وإلى أي مدى. وهذا يستلزم أنظمة قياس وتبليغ مشتركة٬ ستعمل فرقة العمل الجديدة على إنشائها.

ولكي نكون واضحين: سوف تكون عمليات الكشف المالية طوعية٬ ولن تسعى فرقة العمل لتغيير القوانين المتعلقة بما يجب الكشف عنه من قبل الشركات. ونتوقع مشاركة قوية من القطاع المالي٬ لأن المستفيدين الحقيقيين من تلك المعلومات هم الشركات المالية والمستثمرون.

إن العمل الذي تقوم به المدن والشركات سيلعب دوًرا محورًيا في مكافحة تغير المناخ. وفي الواقع٬ تستطيع المدن والشركات تحقيق انخفاضات في الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري تفوق التعهدات التي قدمتها الدول٬ وهو ما سيضع مستقبل الكوكب (والأسواق) على أساس أكثر ثباًتا.