IMLebanon

ما الذي حقّقه الجيش في جرود رأس بعلبك وما الذي دفع الإرهاب إلى مغامرته اليائسة؟

ما هي الدروس التي يمكن استنتاجها من جولة المواجهة الأخيرة في جرود رأس بعلبك بين المؤسسة العسكرية وبين الارهاب الحامل لأطماع عدّة؟

إذا كان ثمة من يرى أن المعركة الأخيرة التي خاض الجيش غمارها في مواجهة غزوة الارهاب الاسبوع الماضي في تلة الحمرا في جرود رأس بعلبك كانت مكلفة كونها أدت الى استشهاد 8 عسكريين وسقوط عدد من الجرحى، فان ثمة من يذهب الى القول بكل ثقة بان هذه المواجهات المتتالية فصولاً الى أجل لا يمكن التكهن بمداه الزمني كرست لها سمات وخصائص ميدانية وسياسية عامة أبرزها الآتي:

– إنها اصبحت جزءاً لا يتجزأ من سياق غير منقطع سيكون له، وفق كل التقديرات العسكرية والسياسية الرسمية وغير الرسمية، ما يليه ويتبعه خلال فترات غير متباعدة.

– إنها صارت من المتوجبات والاثمان التي يتعين على لبنان ان يدفعها في اطار التواجه مع الارهاب.

– وإنها أولاً وأخيراً معركة مفروضة لا يمكن لبنان التحلل منها او التهرب من خوض غمارها وتلقّي تداعياتها لأنها تتصل بعنوان الدفاع عن الحدود والذود عن حياض السيادة الوطنية.

وقد اظهرت التفاصيل الميدانية يوم الجمعة من الوقائع والمعطيات ما سمح للمراقبين الراصدين لهذا الشأن بالقول إن هناك معادلة جديدة بدأت تتبدى عنوانها العريض ان الجيش ادار المواجهة الأخيرة في شكل ينطوي على الكثير من التمايز عن المرات السالفة وعلى نحو كرس وقائع ميدانية مختلفة عن المواجهات السابقة التي اضطرت وحدات هذا الجيش الى خوضها منذ 2 آب الماضي. ومن عناوين هذه المعادلة:

– ان الجيش ادار معركته ضمن صفات وميزات سياسية ومعنوية عالية، اذ انه لم يقع تحت وطأة ضغوط معنوية وسياسية واعلامية ونفسية بدا معها مربكاً الى درجة ان وسائل الاعلام اذاعت اسماء الشهداء والجرحى والمفقودين قبل ان تبلّغ قيادة الجيش الأمر لعائلاتهم بساعات عدة.

– الى سد هذه الثغرة وتلافيها، نجح الجيش مدى 12 ساعة (مدة المعركة الأخيرة) في خوض غمار المواجهة واسترداد ما خسره استهلالا من مواقع بمنأى عن أي “شوشرة” أو “هيصة” او انفلاش اعلامي على غرار ما حصل سابقاً وكان علامة فارقة سلبية خلفت تداعيات غير محمودة على الجميع.

وبمعنى أوضح خاض الجيش المعركة وسط مخاوف ومقاييس عسكرية مضبوطة وحرفية لا يرقى اليها الشك.

– صحيح ان خسارة الجيش عالية نسبياً، وصحيح أن العدد الكبير للارهابيين المهاجمين فاق التوقعات وانعكس سلباً على كل التحضيرات والاستعدادات للمواجهة، الا ان الجيش ما لبث ان استوعب الهجوم على مواقعه وامتص تداعياته، ثم شن هجوماً مضاداً واستعاد ما خسره من الارض والمعنويات. وبذا يكون الجيش قد فوّت على الارهابيين لعبة كسر معنويات الخصم التي اتقنوها في هجماتهم السابقة، وتحديداً منذ هجوم عرسال الاول قبل نحو ستة أشهر.

– لا ريب في ان عنصراً آخر انكشف بعد انجلاء غبار المعركة وتجسد في احتجاز الجيش جثث الارهابيين القتلى الذين عجز المسلحون المشاركون في الهجوم عن اخذهم من الميدان وبينهم اثنان من قادتهم المحترفين. وبدا واضحاً من خلال هذه الواقعة ان الجيش يمارس فعلاً معاكساً لفعل الارهابيين في مجال كسر المعنويات من جهة والرد ولو المتأخر على أسر العسكريين في معركة عرسال الاولى، واظهار ان مبادرة رد الجيش كانت من الضراوة وكثافة النيران بمستوى ضراوة هجوم المسلحين وشراسته.

ومن خلال قراءة ما تنطوي عليه هذه الوقائع الميدانية من دلالات لا تخفيها قيادة الجيش، فان من الجلي ان الجيش بعث برسالة مكثفة ثلاثية الاضلاع الى كل من يعنيهم الأمر:

الاول: ان الجيش تصرف، على رغم تواضع امكاناته التسليحية، ببسالة وجسارة مطلقتين، اذ خسر موقعاً وسرعان ما استرده خلال اقل من 12 ساعة.

الثاني: ان الجيش لم يتصرف بهلع وارتباك، بل اظهر انه على قدر التحدي على رغم خسارته لعناصره الثمانية الذين يشكلون عملياً نحو ثلثي عناصر الموقع المستهدف (تلة الحمرا).

الثالث: ان الجيش امتص سريعاً عنصر المباغتة والتفوق العددي للارهابيين وحال دون فقدانه أياً من مواقعه ودون أسر أي من عناصره.

وعبر كل هذه المعايير بإمكان قيادة الجيش القول انها امتلكت زمام الوضع وانها اضافت الى رصيدها كماً من الخبرات على نحو يجعل العدو يحسب ألف حساب قبل ان يشرع في غزوته التالية ويقدم على خطوات مماثلة.

وفي موازاة كل ذلك فان السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل ان اندفاعة الارهابيين لخوض غمار هذه المواجهة المكلفة مغامرة يائسة، ام انها اظهار للقدرة على ان هذه المجموعات المحاصرة في الجرود القصية والموحشة والباردة ما برحت تمتلك القدرة على الفعل والهجوم والتلاعب بالمعادلات ساعة تشاء وتختار هي لحظة اشعال الميدان عبر النفاذ الى الثغر والخواصر الرخوة الضعيفة؟

بحسب مصادر عليمة فان الشكل الظاهري لعملية تلة الحمرا هو القدرة على شن هجوم، ولكن ثمة معطيات كافية للقول بإنه هجوم يائس او على الأقل هجوم في سياق دفاع عن الذات لا سيما بعد معلومات عن ارتفاع وتيرة معاناة الارهابيين بفعل عوامل عدة منها جنرال الطقس.

الى ذلك، فإن الارهابيين ارادوا من خلال هجومهم كسر الستاتيكو المفروض عليهم والذي جعلهم في موقع المستنزف والعاجز عن الفعل والتحرك خصوصاً ان ثمة معلومات تظهر ان الزخم الذي بدوا فيه غداة هجومهم الاول على عرسال قد استهلك مفاعيله وتداعياته، فضلاً عن ان قضية العسكريين المحتجزين لديهم لم تعد مادة ابتزاز للبنان جيشاً وحكومة وشارعا على غرار محطات سابقة.

ولا يمكن في الاطار نفسه اسقاط مسألة ان قدرة الارهاب على التخريب في الداخل اللبناني قد انكمشت وتقلصت الى أقصى الحدود لا سيما بعد الضربات التي وجهها الجيش الى الخلايا الارهابية والبيئات الحاضنة في الشمال وسواها بعد احداث بحنين في الضنية والتي كانت فاتحة عهد من محاصرة الارهاب.

في الخلاصة لا يمكن الارهاب ان يدعي بعد المواجهة الأخيرة انه يتحرك بحرية ويتصرف بسلاسة وفي أرض خلاء.